تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يُرۡسَلُ عَلَيۡكُمَا شُوَاظٞ مِّن نَّارٖ وَنُحَاسٞ فَلَا تَنتَصِرَانِ} (35)

الآية 35 ثم أوعدهم ، فقال : { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران } قرئ { شواظ } بضم الشين وكسرها{[20310]} .

وروي عن الحسن بالكسر وكذا عن مجاهد ، وقرئ { ونحاس } بكسر السين وضمه{[20311]} . فمن رفع { ونحاس } عطفه على قوله : { شواظ } ومن كسره عطفه على قوله : { من نار } .

ثم اختلف في تأويل الشواظ والنحاس : عن ابن عباس رضي الله عنه النحاس الدخان . وقيل : الشواظ هو لهب النار ، والذي لا دخان فيه ، والنحاس هو الدخان .

وعن الكلبي : الشواظ لهب النار ، والنحاس الصفر الذي يذاب ، فيذوب{[20312]}به .

وقيل : الشواظ هو الذي فيه الدخان ، والنحاس هو النحاس المعروف ، يذاب ، ويصب على رؤوسهم .

وقال الضحاك : الشواظ الدخان الذي يخرج من اللهب ، ليس بدخان الحطب ، والنحاس الصفر .

فمن قرأ بالخفض فيقول : لهب من نار ومن دخان ، ومن قرأ بالرفع ، أراد به الصفر ؛ فيقول : { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس } ذائب في النار ، وقيل : النحاس في القراءتين ، يحتمل الدخان ، ويحتمل الصفر ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فلا تنتصران } قيل : لا تمتنعان من ذلك ، ويحتمل أي [ لا ]{[20313]} ناصر لكما كما يكون في الدنيا .

فإن قيل : إنه قد ذكر في أول الآيات الآلاء والنعم ، فقرن بأحدها { فبأي آلاء ربكما تكذبان } وقد انقطع ذكر الآلاء هاهنا ، وذكر المواعيد في هذه الآيات ، فما فائدة قران قوله { فبأي آلاء ربكما تكذبان } بآخرها ؟ قيل : إن الوعد ترغيب ، وفي الوعيد ترهيبا ، فيرغب في الوعد ، ويخاف ، ويرهب من الوعيد ، فيرتدع عما يوعد ، فيكون في ذلك نعمة عظيمة ؛ إذ بالوعد والوعيد تتم المحنة ، وبالمحنة تتم النعمة .


[20310]:انظر معجم القراءات القرآنية ج7/52.
[20311]:انظر المرجع السابق و الصفحة.
[20312]:في الأصل و م: فيذوبون.
[20313]:من م، ساقطة من الأصل.