تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ومن آياته} يعني ومن علامات الرب تعالى أن يعرف توحيده بصنعه.
{منامكم بالليل} يعني النوم، ثم قال: {و} ب {والنهار وابتغاؤكم من فضله} يعني الرزق.
{إن في ذلك لآيات} يعني إن في هذا الذي ذكر لعبرة {لقوم يسمعون} المواعظ، فيوحدون ربهم عز وجل...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ومن حججه عليكم أيها القوم تقديره الساعات والأوقات، ومخالفته بين الليل والنهار، فجعل الليل لكم سكنا تسكنون فيه، وتنامون فيه، وجعل النهار مضيئا لتصرّفكم في معايشكم والتماسكم فيه من رزق ربكم. "إنّ فِي ذلكَ لآيات لقَوْمٍ يَسْمَعُونَ "يقول تعالى ذكره: إن في فعل الله ذلك كذلك، لعبرا وذكرى وأدلة على أن فاعل ذلك لا يُعجزه شيء أراده لقوم يسمعون مواعظ الله، فيتعظون بها، ويعتبرون فيفهمون حجج الله عليهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ومن آياته منامكم بالليل والنهار} لأن النوم يأخذهم من غير أن يعرفوا أنه من أين مأتاه ومأخذه. ثم يأخذ منهم جميع الأحياء من السمع والنطق والفهم والرؤية وجميع ما ينتفع به قبل ذلك. ثم يرد ذلك إليهم من غير أن عرفوا ذلك، فيعودون إلى ما كانوا من المنافع والاكتساب ليعلم أن من قدر على مثل هذا يقدر على أخذ الروح ونفسه ورده إليه، فهو أخو الموت. قال الله تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل} [الأنعام: 60] [سمى النوم] الوفاة، وهو مثلها لما ذكرنا أن جميع منافع الأحياء يرتفع، ويزول بالنوم، ثم يرد إليه من غير أن يشعر بذلك. فمن قدر [على هذا يقدر] على الإحياء بعد الموت.
{لقوم يسمعون} أي ينتفعون بسمعهم، أو لقوم يجيبون، والسمع يجوز أن يعبر به عن الإجابة كقوله صلى الله عليه وسلم: (سمع الله لمن حمده) [البخاري 690] أي أجاب الله لمن دعاه، أو أن يكون قوله {لقوم يسمعون} أي يعقلون. تجوز العبارة كقوله: {إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون} [يونس: 67] أي يعقلون.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ} فيه وجهان: أحدهما: أن الليل والنهار معاً وقت للنوم ووقت لابتغاء الفضل، لأن من الناس من يتصرف في كسبه ليلاً وينام نهاراً...
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} فيه ثلاث أوجه: أحدها: يسمعون الحق فيتبعونه...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"من فضله" أي مما يتفضل الله به عليكم.
{وابتغاؤكم من فضله... فأخر الابتغاء وقرنه في اللفظ بالفعل إشارة إلى أن العبد ينبغي أن لا يرى الرزق من كسبه وبحذقه، بل يرى كل ذلك من فضل ربه، ولهذا قرن الابتغاء بالفضل في كثير من المواضع، منها قوله تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} وقوله: {ولتبتغوا من فضله}.
المسألة الثانية: قدم المنام بالليل على الابتغاء بالنهار في الذكر، لأن الاستراحة مطلوبة لذاتها والطلب لا يكون إلا لحاجة، فلا يتعب إلا محتاج في الحال أو خائف من المآل.
المسألة الثالثة: قال: {آيات لقوم يسمعون} وقال من قبل: {لقوم يتفكرون} وقال: {للعالمين}... المنام والابتغاء قد يقع لكثير أنهما من أفعال العباد، وقد يحتاج إلى مرشد بغير فكرة، فقال: {لقوم يسمعون} ويجعلون بالهم إلى كلام المرشد...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وهذه آية كذلك تجمع بين ظواهر كونية وما يتعلق بها من أحوال البشرية وبين ظاهرتي الليل والنهار ونوم البشر ونشاطهم ابتغاء رزق الله، الذي يتفضل به على العباد، بعد أن يبذلوا نشاطهم في الكد والابتغاء، وقد خلقهم الله متناسقين مع الكون الذي يعيشون فيه؛ وجعل حاجتهم إلى النشاط والعمل يلبيها الضوء والنهار؛ و حاجتهم إلى النوم والراحة يلبيها الليل والظلام. مثلهم مثل جميع الأحياء على ظهر هذا الكوكب على نسب متفاوتة في هذا ودرجات. وكلها تجد في نظام الكون العام ما يلبي طبيعتها ويسمح لها بالحياة.
(إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون).. والنوم والسعي سكون وحركة يدركان بالسمع. ومن ثم يتناسق هذا التعقيب في الآية القرآنية مع الآية الكونية التي تتحدث عنها على طريقة القرآن الكريم...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذه آية رابعة وهي كائنة في أعراض من أعراض الناس لا يخلو عنها أحد من أفرادهم، إلا أنها أعراض مفارقة غير ملازمة فكانت دون الأعراض التي أقيمت عليها الآية الثالثة ولذلك ذكرت هذه الآية بعدها. وحالة النوم حالة عجيبة من أحوال الإنسان والحيوان إذ جعل الله له في نظام أعصاب دماغه قانوناً يستردّ به قوة مجموعه العصَبي بعد أن يعتريه فشل الإعياء من إعمال عقله وجسده فيعتريه شبه موت يخدر إدراكه ولا يعطل حركات أعضائه الرئيسية ولكنه يثبطها حتى يبلغ من الزمن مقداراً كافياً لاسترجاع قوته فيفيق من نومته وتعود إليه حياته كاملة، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى {لا تأخذه سنة ولا نوم} في سورة البقرة (255).
وثانيهما: أن في ما يسمعه الناس من أحوال النوم ما هو أشد دلالة على عظيم صنع الله تعالى مما يشعر به صاحبُ النوم من أحوال نومه، لأن النائم لا يعرف من نومه إلا الاستعداد له وإلا أنه حين يهُبّ من نومه يعلم أنه كان نائماً؛ فأما حالة النائم في حين نومه ومقدار تنبهه لمن يوقظه، وشعوره بالأصوات التي تقع بقربه، والأضواء التي تنتشر على بصره فتنبهه أو لا تنبهه، كل ذلك لا يتلقاه النائم إلا بطريق الخبر من الذين يكونون أيقاظاً في وقت نومه. فطريق العلم بتفاصيل أحوال النائمين واختلافها السمع، وقد يشاهد المرء حال نوم غيره إلا أن عبرته بنومه الخاص به أشد، فطريق السمع هو أعم الطرق لمعرفة تفاصيل أحوال النوم، فلذلك قيل {لقوم يسمعون.}
وأيضاً لأن النوم يحول دون الشعور بالمسموعات بادئ ذي بدء قبل أن يحول دون الشعور بالمبصرات. وأجريت صفة {يسمعون} على {قوم} للإيماء إلى أن السمع متمكّن منهم حتى كأنه من مقومات قوميتهم كما تقدم في قوله تعالى {لآيات لقوم يعقلون} في سورة البقرة (164).
قوله تعالى : " ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله " قيل : في هذه الآية تقديم وتأخير ، والمعنى : ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار ، فحذف حرف الجر لاتصاله بالليل وعطفه عليه ، والواو تقوم مقام حرف الجر إذا اتصلت بالمعطوف عليه في الاسم الظاهر خاصة ، فجعل النوم بالليل دليلا على الموت ، والتصرف بالنهار دليلا على البعث . " إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون " يريد سماع تفهم وتدبر . وقيل : يسمعون الحق فيتبعونه . وقيل : يسمعون الوعظ فيخافونه . وقيل : يسمعون القرآن فيصدقونه ، والمعنى متقارب . وقيل : كان منهم من إذا تلي القرآن وهو حاضر سد أذنيه حتى لا يسمع ، فبين الله عز وجل هذه الدلائل عليه .
ولما ذكر المقلة والمظلة ومن فيهما ، وبعض صفاتهم اللازمة ، ذكر ما ينشأ عن كل من ذلك من الصفات المفارقة فقال : { ومن آياته } أي على{[52878]} ذلك وغيره من أنواع القدرة والعلم { منامكم } أي نومكم ومكانه وزمانه الذي يغلبكم بحيث لا تستطيعون {[52879]}له دفعاً{[52880]} .
ولما كان الليل محل السكن والراحة والنوم ، ذكر ما جعل من نوم النهار أيضاً لأن ذلك أدل على الفعل بالاختيار فقال : { بالّيل والنهار } أي الناشئين عن السماوات والأرض باختلاف الحركات التي لا تنشأ إلا عن فاعل مختار وانقطاعكم بالنوم عن معاشكم وكل ما يهمكم{[52881]} وقيامكم بعد منامكم أمراً قهرياً لا تقدرون على الانفكاك عن واحد{[52882]} منهما أصلاً { وابتغاؤكم } أي طلبكم{[52883]} بالجد والاجتهاد { من فضله } بالمعاش فيهما ، فالآية من الاحتباك : دل ذكر النوم على القيام منه ، ودل{[52884]} الابتغاء على الانقطاع عنه ، حذف نهاية الأول وبداية الثاني { إن في ذلك } أي الأمر العظيم العالي{[52885]} الرتبة من إيجاد النوم بعد النشاط ، والنشاط بعد النوم الذي هو الموت الأصغر ، وإيجاد كل من الملوين بعد إعدامهما ، والجد في الابتغاء مع المفاوتة في التحصيل { لآيات } أي عديدة على القدرة والحكمة لا سيما البعث .
ولما كانت{[52886]} هذه الآيات في دلالتها على ما تشير إليه من البعث والفعل بالاختيار دقيقة لا يستقل العقل{[52887]} بها دون توقيف من الدعاة لأنه قد يسند{[52888]} النوم والابتغاء إلى العباد ولا يتجاوز عن ذلك إلى الخالق إلا الأفراد من خلص العباد ، وكان النائم يقوم صافي الذهن فارغ السر نشيط البدن . قال : { لقوم يسمعون* } أي{[52889]} من الدعاة النصحاء سماع من انتبه من نومه فجسمه مستريح نشيط وقلبه فارغ عن مكدر للنصح مانع من قبوله ، أو المعنى : لقوم هم أهل للسمع بأن يكونوا قد تنبهوا{[52890]} من رقادهم ، فرجعوا عن عنادهم ، إشارة إلى أن من لم يتأمل في هذه الآيات فهو نائم لا مستيقظ . فهو غير متأهل لأن يسمع .