الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَنَٰدَيۡنَٰهُ أَن يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُ} (104)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَنادَيْناهُ أنْ يا إبْراهِيمُ قَدْ صَدّقْتَ الرؤْيا" وهذا جواب قوله: "فَلَمّا أسْلَما "ومعنى الكلام: فلما أسلما وتلّه للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم...

ويعني بقوله: "قَدْ صَدّقْتَ الرّؤْيا" التي أريناكها في منامك بأمرناك بذبح ابنك.

وقوله: "إنّا كَذلكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ" يقول: إنا كما جَزَيْناك بطاعتنا يا إبراهيم، كذلك نجزى الذين أحسنوا، وأطاعوا أمرنا، وعملوا في رضانا.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{وَنَادَيْنَاهُ} في تلك الحال المزعجة، والأمر المدهش.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وعرف الله من إبراهيم وإسماعيل صدقهما، فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقا: (وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا. إنا كذلك نجزي المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم)..

قد صدقت الرؤيا وحققتها فعلاً. فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه، ولو كان هو الابن فلذة الكبد. ولو كانت هي النفس والحياة. وأنت -يا إبراهيم- قد فعلت. جدت بكل شيء. وبأعز شيء. وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين. فلم يبق إلا اللحم والدم. وهذا ينوب عنه ذبح. أي ذبح من دم ولحم! ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت. يفديها بذبح عظيم. قيل: إنه كبش وجده إبراهيم مهيأ بفعل ربه وإرادته ليذبحه بدلاً من إسماعيل!

وقيل له: (إنا كذلك نجزي المحسنين).. نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء. ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها إلى مستوى الوفاء. ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم على الأداء. ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء!

ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى، ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان. وجمال الطاعة. وعظمة التسليم. والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم، الذي تتبع ملته، والذي ترث نسبه وعقيدته. ولتدرك طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها ولتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا؟ ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه. ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئا، ولا تختار فيما تقدمه لربها هيئة ولا طريقة لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم!

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

يعني: ارفع يدك يا إبراهيم عن ذبح ولدك الوحيد، فما كان الأمرُ إلا بلاءً مبيناً، أي: واضح قاسٍ عليك أنت وولدك، وهو مبين لأنه يُبين قوة عقيدة إبراهيم -عليه السلام- في تلقِّي الأمر من الله، وإنْ كان صعباً وقاسياً، ثم الانصياع له والطاعة، وكذلك كان البلاء في حَقِّ ولده الذي خضع وامتثل.

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَنَٰدَيۡنَٰهُ أَن يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُ} (104)

فنودي " يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا " فالتفت فإذا بكبش . ذكره المهدوي . وقد تقدمت الإشارة إلى عدم صحته ، وأن المعنى لما اعتقد الوجوب وتهيأ للعمل ، هذا بهيئة الذبح ، وهذا بصورة المذبوح ، أعطيا محلا للذبح فداء ولم يكن هناك مر سكين . وعلى هذا يتصور النسخ قبل الفعل على ما تقدم . والله أعلم . قال الجوهري : " وتله للجبين " أي صرعه ، كما تقول : كبه لوجهه . الهروي : والتل الدفع والصرع ، ومنه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه : ( وتركوك لمتلك ) أي لمصرعك . وفي حديث آخر : ( فجاء بناقة كوماء فتلها ) أي أناخها . وفي الحديث : ( بينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي ) قال ابن الأنباري : أي فألقيت في يدي . يقال : تللت الرجل إذا ألقيته . قال ابن الأعرابي : فصبت في يدي ، والتل الصب . يقال : تل يتل إذا صب ، وتل يتل بالكسر إذا سقط .

قلت : وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه ، وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ ؛ فقال للغلام : ( أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ) فقال الغلام : لا والله ، لا أوثر بنصيبي منك أحدا . قال : فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده ، يريد جعله في يده . وقال بعض أهل الإشارة : إن إبراهيم ادعى محبة الله ، ثم نظر إلى الولد بالمحبة ، فلم يرض حبيبه محبة مشتركة ، فقيل له : يا إبراهيم اذبح ولدك في مرضاتي ، فشمر وأخذ السكين وأضجع ولده ، ثم قال : اللهم تقبله مني في مرضاتك . فأوحى الله إليه : يا إبراهيم لم يكن المراد ذبح الولد ، وإنما المراد أن ترد قلبك إلينا ، فلما رددت قلبك بكليته إلينا رددنا ولدك إليك . وقال كعب وغيره : لما أرى إبراهيم ذبح ولده في منامه ، قال الشيطان : والله لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا . فتمثل الشيطان لهم في صورة الرجل ، ثم أتى أم الغلام وقال : أتدرين أين يذهب إبراهيم بابنك ؟ قالت : لا . قال : إنه يذهب به ليذبحه . قالت : كلا هو أرأف به من ذلك . فقال : إنه يزعم أن ربه أمره بذلك . قالت : فإن كان ربه قد أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه . ثم أتى الغلام فقال : أتدري أين يذهب بك أبوك ؟ قال : لا . قال : فإنه يذهب بك ليذبحك . قال : ولم ؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك . قال : فليفعل ما أمره الله به ، سمعا وطاعة لأمر الله . ثم جاء إبراهيم فقال : أين تريد ؟ والله إني لأظن أن الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك . فعرفه إبراهيم فقال : إليك عني يا عدو الله ، فوالله لأمضين لأمر ربي . فلم يصب الملعون منهم شيئا . وقال ابن عباس : لما أمر إبراهيم بذبح ابنه عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الأخرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى إبراهيم لأمر الله تعالى .

واختلف في الموضع الذي أراد ذبحه فيه فقيل : بمكة في المقام . وقيل : في المنحر بمنى عند الجمار التي رمى بها إبليس لعنه الله . قاله ابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب وسعيد بن المسيب . وحكي عن سعيد بن جبير : أنه ذبحه على الصخرة التي بأصل ثبير بمنى . وقال ابن جريج : ذبحه بالشام وهو من بيت المقدس على ميلين . والأول أكثر ، فإنه ورد في الأخبار تعليق قرن الكبش في الكعبة ، فدل على أنه ذبحه بمكة . وقال ابن عباس : فوالذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام ، وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه من ميزاب الكعبة وقد يبس . أجاب من قال بأن الذبح وقع بالشام : لعل الرأس حمل من الشام إلى مكة . والله أعلم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَنَٰدَيۡنَٰهُ أَن يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُ} (104)

ولما كان من الواضح أن التقدير جواباً لما عالج ذبحه بعزم أمضى من السنان ، وجنان في ثباته أيما جنان ، فمنعناه من التأثير بقدرتنا ، ورددنا شفرته الماضية عن عنقه اللينة بأيدينا وقوتنا ، عطف عليه قوله : { وناديناه } وفخم هذا النداء بحرف التفسير فقال : { إن يا إبراهيم* }