الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (18)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"كَلاّ إنّ كتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ "والأبرار: جمع برّ، وهم الذين برّوا الله بأداء فرائضه، واجتناب محارمه...

وقوله: "لَفِي عِلّيّينَ" اختلف أهل التأويل في معنى عليين؛

فقال بعضهم: هي السماء السابعة...

وقال آخرون: بل العِلّيون: قائمة العرش اليمنى...

وقال آخرون: بل عُنِيَ بالعليين: الجَنّة...

وقال آخرون: عند سِدْرة المنتهى...

وقال آخرون: بل عُنِي بالعِلّيين: في السماء عند الله...

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن كتاب الأبرار في عِليين، والعليون: جمع، معناه: شيء فوق شيء، وعلوّ فوق علوّ، وارتفاع بعد ارتفاع، فلذلك جُمعت بالياء والنون، كجمع الرجال، إذ لم يكن له بناء من واحده واثنيه... فإذا كان ذلك كالذي ذكرنا، فبّينٌ أن قوله: "لَفِي عِلّيّينَ" معناه: في علوّ وارتفاع، في سماء فوق سماء، وعلوّ فوق علوّ، وجائز أن يكون ذلك إلى السماء السابعة، وإلى سدرة المنتَهى، وإلى قائمة العرش، ولا خبر يقطع العذر بأنه معنيّ به بعضُ ذلك دون بعض.

والصواب أن يقال في ذلك، كما قال جلّ ثناؤه: إن كتاب أعمال الأبرار لفي ارتفاع إلى حدّ قد علم الله جلّ وعزّ منتهاه، ولا علم عندنا بغايته، غير أن ذلك لا يَقْصُر عن السماء السابعة، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ذكر الأبرار ههنا مقابل الفجار في الأول، ثم بين الفجار أنهم المكذبون بيوم الدين، وذلك أول منازل الكفرة، فإذا أريد بالفجار الكفار، وأريد بالأبرار الذين آمنوا، فلذلك قال: {إن الأبرار} هم المؤمنون، والبر، وهو الذي يكثر منه تعاطي فعل البر، يسمى بارّا إذا كثر منه البر، والفاجر، هو الذي يكثر منه فعل الفجور. فجائز أن يكون الوعيد في الذين بلغوا في الفجور غايته، ويكون حكم من دونهم متروكا ذكره، فيوصل إلى معرفة حكمه بالاستدلال، ويكون الوعد في الذين أكثروا أفعال البر، ويكون حكم من دونهم معروفا بغيره من الأدلة...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(إن كتاب الابرار لفي عليين) أي مراتب عالية محفوفة بالجلالة، فقد عظمها الله تعالى بما يدل على عظم شأنها في النعمة...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{عِلِّيِّينَ} أعلى الأمكنة، تحمل إليه أرواح الأبرار تشريفاً لهم وإجلالاً...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{كَلآ} ردع عن التكذيب. وكتاب الأبرار: ما كتب من أعمالهم. وعليون: علم لديوان الخير الذي دوّن فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين، منقول من جمع «عليّ» فعيل من العلو كسجين من السجن، سمي بذلك إمّا لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة.. وإمّا لأنه مرفوع في السماء السابعة... تكريماً له وتعظيماً..

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واعلم أن المعتمد في تفسير هذه الآية ما بينا أن العلو والفسحة والضياء والطهارة من علامات السعادة، والسفل والضيق والظلمة من علامات الشقاوة، فلما كان المقصود من وضع كتاب الفجار في أسفل السافلين، وفي أضيق المواضع إذلال الفجار وتحقير شأنهم، كان المقصود من وضع كتاب الأبرار في أعلى عليين، وشهادة الملائكة لهم بذلك إجلالهم وتعظيم شأنهم، وفي الآية وجه آخر، وهو أن المراد من الكتاب الكتابة، فيكون المعنى أن كتابة أعمال الأبرار في عليين، ثم وصف عليين بأنه كتاب مرقوم فيه جميع أعمال الأبرار، وهو قول أبي مسلم...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{كَلاَّ} ليست المسألة كما تتصوّرون في احتقار مستقبل الأبرار المؤمنين من خلال احتقارهم لموقعهم الاجتماعي، في نظرتكم الاستعلائية إليهم على أساس واقع الاستكبار الذي كنتم ترون فيه ذروة التحدي للآخرين. {إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} لأن طبيعة البرّ في معناها المطلق تمثل الطاعة لله في فعل الخير كله، لتلتقي بما توحي به كلمة «علّيّين» في الحصول على درجة العلوّ والرفعة لديه...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

«عليّين»: جمع (عليّ) على وزن (ملّي)، وهو المكان المرتفع، أو الشخص الجالس في مكان مرتفع، ويطلق أيضاً على ساكني قمم الجبال. وقد فُسِّر في الآية ب (أشرف الجنان) أو (أعلى مكان في السماء). وقيل: إنّما استعمل اللفظ بصيغة الجمع للتأكيد على معنى (العلو في علو)...

وذهب قسم من المفسّرين إلى أنّ ال «كتاب» هنا يرمز لمعنى (المصير)، أو (الحكم القطعي الإلهي) بخصوص نيل الصالحين درجات الجنّة العلُى. ولا يضرّ من الجمع بين التّفسيرين، فأعمال الأبرار مجموعة في ديوان عام، ومحل ذلك الديوان في أعلى نقطة من السماء، ويكون الحكم والقضاء الإلهي كذلك مبنيٌّ على كونهم في أعلى درجات الجنّة...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (18)

قوله تعالى : " كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين " " كلا " بمعنى حقا ، والوقف على " تكذبون " . وقيل أي ليس الأمر كما يقولون ولا كما ظنوا بل كتابهم في سجين ، وكتاب المؤمنين في عليين . وقال مقاتل : كلا ، أي لا يؤمنون بالعذاب الذي يصلونه . ثم استأنف فقال : " إن كتاب الأبرار " مرفوع في عليين على قدر مرتبتهم . قال ابن عباس : أي في الجنة . وعنه أيضا قال : أعمالهم في كتاب الله في السماء . وقال الضحاك ومجاهد وقتادة : يعني السماء السابعة فيها أرواح المؤمنين . وروى ابن الأجلح عن الضحاك قال : هي سدرة المنتهى ، ينتهي إليها كل شيء من أمر الله لا يعدوها ، فيقولون : رب عبدك فلان ، وهو . أعلم به منهم ، فيأتيه كتاب من الله عز وجل مختوم بأمانه من العذاب . فذلك قوله تعالى : " كلا إن كتاب الأبرار " . وعن كعب الأحبار قال : إن روح المؤمن إذا قبضت صعد بها إلى السماء ، وفتحت لها أبواب السماء ، وتلقتها الملائكة بالبشرى ، ثم يخرجون معها حتى ينتهوا إلى العرش ، فيخرج لهم من تحت العرش ، رق فيرقم ويختم فيه النجاة من الحساب يوم القيامة ويشهده المقربون . وقال قتادة أيضا : " في عليين " هي فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى . وقال البراء بن عازب قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عليون في السماء السابعة تحت العرش ) . وعن ابن عباس أيضا : هو لوح من زبر جدة خضراء معلق بالعرش ، أعمالهم مكتوبة فيه . وقال الفراء : عليون ارتفاع بعد ارتفاع . وقيل : عليون أعلى الأمكنة . وقيل : معناه علو في علو مضاعف ، كأنه لا غاية له ؛ ولذلك جمع بالواو والنون . وهو معنى قول الطبري . قال الفراء : هو اسم موضوع على صفة الجمع ، ولا واحد له من لفظه ، كقولك : عشرون وثلاثون ، والعرب إذا جمعت جمعا ولم يكن له بناء من واحده ولا تثنية ، قالوا في المذكر والمؤنث بالنون . وهي معنى قول الطبري . وقال الزجاج : إعراب هذا الاسم كإعراب الجمع ، كما تقول : هذه قنسرون ، ورأيت قنسرين . وقال يونس النحوي واحدها : عِلِيّ وعلية . وقال أبو الفتح : عليين : جمع عِلِيّ ، وهو فِعيل من العلو . وكان سبيله أن يقول عِلِّية كما قالوا للغرفة عِلِّية ؛ لأنها من العلو ، فلما حذف التاء من علية عوضوا منها الجمع بالواو والنون ، كما قالوا في أرضين . وقيل : إن عليين صفة للملائكة ، فإنهم الملأ الأعلى ، كما يقال : فلان في بني فلان ، أي هو في جملتهم وعندهم . والذي في الخبر من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أهل عليين لينظرون إلى الجنة من كذا ، فإذا أشرف رجل من أهل عليين أشرقت الجنة لضياء وجهه ، فيقولون : ما هذا النور ؟ فيقال أشرف رجل من أهل عليين الأبرار أهل الطاعة والصدق ) . وفي خبر آخر : ( إن أهل الجنة ليرون أهل عليين كما يرى الكوكب الدري في أفق السماء ) يدل على أن عليين اسم الموضع المرتفع . وروى ناس عن ابن عباس في قوله " عليين " قال : أخبر أن أعمالهم وأرواحهم في السماء الرابعة .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (18)

ولما كان هذا ربما أفهم أنهم يرون جميع عذابهم إذ ذاك ، نفاه بقوله : { كلا } أي ليس هو المجموع بل هو فرد{[72223]} من الجنس فلهذا عمل عليه الجنس وهو نزلهم والأمر أطم وأعظم من أن يحيط به الوصف . ولما ذكر ما للمكذبين من العذاب الذي جره{[72224]} إليهم إقبالهم على الدنيا بادئاً به لأن المقام من أول السورة للوعيد وصوادع التهديد ، أتبعه ما للمصدقين الذين أقبل بهم إلى السعادة ترك الحظوظ وإعراضهم عن عاجل شهوات الدنيا ، فقال مؤكداً لأجل تكذيبهم : { إن كتاب الأبرار } أي صحيفة حسنات الذين هم في غاية الاتساع في شرح صدورهم ، واتساع عقولهم وكثرة أعمالهم {[72225]}وزكائها{[72226]} وغير ذلك من محاسن أمورهم { لفي علييّن * } أي أماكن منسوبة إلى العلو ، وقع النسب أولاً إلى فعليّ ثم جمع وإن كان-{[72227]} لا واحد له من لفظه كعشرين وأخواته ، قال الكسائي : إذا جمعت العرب ما لا يذهبون فيه إلى أن له بناء من واحد واثنين فإنهم يجمعون بالواو والنون في المذكر والمؤنث - انتهى ، فهي درجات متصاعدة تصعد إلى الله ولا تحجب عنه كما يحجب ما للأشقياء بعضها{[72228]} فوق بعض-{[72229]} إلى ما لا نهاية له بحسب رتب الأعمال ، وكل من كان كتابه من الأبرار في مكان لحق به كما أن من كان كتابه من الفجار{[72230]} في سجين لحق به ، قال الرازي في اللوامع : من ترقى علمه عن الحواس والأوهام وفعله عن مقتضى الشهوة{[72231]} والغضب فهو حقيق بأن يكون عليّاً ، ومن كان علمه وإدراكه مقصوراً على الحواس والخيال والأوهام وفعله على مقتضى الشهوات البهيمية فهو حقيق بأن يكون في سجين .


[72223]:من ظ و م، وفي الأصل: مفرد.
[72224]:من ظ و م، وفي الأصل: جل.
[72225]:من ظ و م، وفي الأصل: ذكاء عقولهم إلى.
[72226]:من ظ و م، وفي الأصل: ذكاء عقولهم إلى.
[72227]:زيد من ظ و م.
[72228]:من م، وفي الأصل و ظ: بعض.
[72229]:زيد من ظ و م.
[72230]:من ظ، وفي الأصل و م: الكفار.
[72231]:زيد في الأصل: البهيمية فهو، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.