جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
كلا، أي ليس الأمر كما يظنّ هؤلاء الكفار، أنهم غير مبعوثين ولا معذّبين، إن كتابهم الذي كتب فيه أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا" لَفِي سِجّينٍ "وهي الأرض السابعة السفلى، وهو «فعّيلٌ» من السّجن، كما قيل: رجل سِكّير من السكر، وفِسيق من الفسق... حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «وذكر نفس الفاجر، وأنّهُ يُصْعَدُ بها إلى السّماءِ، قال: فَيَصْعَدُونَ بِها فَلا يَمُرّونَ بِها عَلى مَلأ مِنَ المَلائِكَةِ إلاّ قالُوا: ما هَذَا الرّوحُ الخَبِيثُ؟ قال: فَيَقُولُونَ فُلانٌ بأقْبَحِ أسمَائِهِ التي كانَ يُسَمّى بِها فِي الدنْيا حتى يَنْتَهُوا بِها إلى السّماءِ الدّنيْا، فَيسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَلا يُفْتَحُ لَهُ» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُفَتّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ ولاَ يَدْخُلُونَ الجّنَةَ حتى تَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمّ الخِياطِ فَيَقُولُ اللّهُ: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي أسْفَلِ الأرْضِ فِي سِجّينٍ فِي الأرْضِ السّفْلَى».
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{كلا} قال الحسن وأبو بكر: حقا، أي بعثهم حق، فيبعثون. وقال الزجاج: {كلا} حرف ردع وتنبيه، أي ليس الأمر على ما ظنوا أنهم لا يبعثون، بل يبعثون، ويجازون بأعمالهم، فيكون في هذا إيجاب القول بالبعث من طريق الاستدلال. وقوله تعالى: {إن كتاب الفجار لفي سجين} اختلف في السجين؛ فمنهم من جعله اسم موضع...
وجائز أن يكون السجين الموضع الذي أعد للكافرين في الآخرة للعذاب...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
... والمعنى أنه أراد بطلان أعمالهم وذهابها بلا محمدة ولا ثواب، وهذا سائغ مستفيض في كلام الناس، يقولون لمن خمل ذكره وسقط قدره قد لزق بالحضيض. وقال الأخفش: لفي حبس ضيق شديد...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ومعنى الآية ارتدعوا أيها الكفار والعصاة وانزجروا عن المعاصي معاشر الكفار، ليس الأمر على ما تظنون...وقيل: الوجه في جعل كتاب الفجار في سجين أن تخليده فيه يقوم مقام التقريع، وأن عقابهم لا يفنى ولا يبيد، كما لا يفنى كتاب سيئاتهم ولا يبيد...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{كَلاَّ} ردعهم عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن ذكر البعث والحساب، ونبههم على أنه مما يجب أن يتاب عنه ويندم عليه، ثم أتبعه وعيد الفجار على العموم...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
و {الفجار} الكفار، وكتابهم يراد فيه الذي فيه تحصيل أمرهم وأفعالهم، ويحتمل عندي أن يكون المعنى وعدادهم وكتاب كونهم هو في سجين، أي هنالك كتبوا في الأزل...
.وقال قوم من اللغويين: {سجين}، عبارة عن الخسران والهوان، كما نقول: بلغ فلان الحضيض إذا صار في غاية الخمول...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{كلا} أي لا يظن أولئك ذلك بوجه من الوجوه لكثافة طباعهم ووقوفهم مع المحسوس دأب البهائم بل لا يجوزونه، ولو جوزوه لما وقعوا في ظلم أحد من يسألون عنه في ذلك اليوم المهول، وما أوجب لهم الوقوع في الجرائم إلا الإعراض عنه،.. وهي مع ذلك مفهمة للردع الذي ليس بعده ردع عن اعتقاد مثل ذلك والموافقة لشيء مما يوجب الخزي فيه...
. {إن كتاب} وأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال: {الفجار} أي صحيفة حساب هؤلاء الذين حملهم على كفرهم مروقهم وكذا كل من وافقهم في صفاتهم فكان في غاية المروق مما حقه ملابسته وملازمته، وأبلغ في التأكيد فقال: {لفي سجين} هو علم منقول في صيغة المبالغة عن وصف من- السجن وهو الحبس لأنه سبب الحبس في جهنم أي إنه ليس فيه أهلية الصعود إلى محل الأقداس، إشارة إلى أن كتابهم إذا كان في سجن عظيم أي ضيق شديد كانوا هم في- أعظم،...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وقد سماهم المطففين في المقطع الأول. فأما في المقطع الثاني فيسميهم الفجار. إذ يدخلهم في زمرة الفجار، ويتحدث عن هؤلاء. يتحدث عن اعتبارهم عند الله، وعن حالهم في الحياة. وعما ينتظرهم يوم يبعثون ليوم عظيم...
والفجار هم المتجاوزون للحد في المعصية والإثم. واللفظ يوحي بذاته بهذا المعنى. وكتابهم هو سجل أعمالهم. ولا ندري نحن ماهيته ولم نكلف هذا. وهو غيب لا نعرف عنه إلا بمقدار ما يخبرنا عنه صاحبه ولا زيادة -فهناك سجل لأعمال الفجار يقول القرآن: إنه في سجين...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{كلاّ}. إبطال وردع لما تضمنته جملة: {ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون} [المطففين: 4] من التعجيب من فعلهم التطفيف، والمعنى: كلا بل هم مبعوثون لذلك اليوم العظيم ولتلقي قضاء رب العالمين فهي جواب عما تقدم. {إِنَّ كتاب الفجار لَفِي سِجِّينٍ}... وهو تعريض بالتهديد للمطففين بأن يكون عملهم موجِباً كتْبه في كتاب الفجار. و {الفجار} غلب على المشركين ومن عسى أن يكون متلبساً بالتطفيف بعد سماع النهي عنه من المسلمين الذي ربما كان بعضهم يفعله في الجاهلية. والتعريف في {الفجار} للجنس مراد به الاستغراق، أي جميع المشركين فيعم المطففين وغير المطففين، فوصف الفجار هنا نظير ما في قوله: {أولئك هم الكفرة الفجرة} [عبس: 42]. وشمول عموم الفجار لجميع المشركين المطففين منهم وغير المطففين يُعنى به أن المطففين منهم المقصود الأول من هذا العموم، لأن ذكر هذا الوصف والوعيد عليه عقب كلمة الردع عن أعمال المطففين قرينة على أن الوعيد موجّه إليهم. و« الكتابُ» المكتوبُ، أي الصحيفة وهو هنا يحتمل شيئاً تحصى فيه الأعمال، ويحتمل أن يكون كناية عن إحصاء أعمالهم وتوقيفهم عليها، وكذلك يَجري على الوجهين قولُه: {كتاب مرقوم} وتقدمت نظائره غير مرة. و {سجين} حروف مادته من حروف العربية...
وقد اختلف في معناه على أقوال أشهرها وأولاها أنه عَلَم لواد في جهنم، صيغ بزنة فِعِّيل من مادة السجن للمبالغة مثل: الملك الضِّليل، ورجل سِكّير، وطعام حِرّيف (شديد الحرافة وهي لذع اللسان) سمي ذلك المكان سجيناً لأنه أشدّ الحَبْس لمن فيه فلا يفارقه. وهذا الاسم من مصطلحات القرآن لا يعرف في كلام العرب من قبل، ولكن مادته وصيغته موضوعتان في العربية وضعاً نوعياً. وقد سمع العرب هذا الاسم ولم يطعنوا في عربيته...
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
وعلى كل حال فالذي يتبادر من الجملة أن المقصود من الكلمة مكان العذاب الذي يعذب فيه الكفار في الآخرة وأن المقصود من الجملة بيان كون الذي كتب وقضى على الفجار: هو أن يكونوا في سجين. وجملة {ويل يومئذ للمكذبين} في الآيات والإشارة إلى يوم القيامة في الآيات السابقة قرائن أو دلائل على ذلك... في الآيات حملة شديدة على الفجار المكذبين بيوم الدين. وقد ابتدأت بالردع والزجر للتنبيه على أن الأمر أعظم مما يظنون. ثم آذنتهم بأن مصير الفجار قد كتب وتقرر في الهوة السحيقة المظلمة المعدة لعذابهم يوم القيامة. وما أعظم هولها...
سماهم فجاراً؛ لأن الفاجر هو الذي يخرق ستر التكليف، فجر يعني: شق ستر الطاعة، أو شق ستر التكليف.
قوله تعالى : " كلا إن كتاب الفجار لفي سجين " قال قوم من أهل العلم بالعربية : " كلا " ردع وتنبيه ، أي ليس الأم على ما هم عليه من تطفيف الكيل والميزان ، أو تكذيب بالآخرة ، فليرتدعوا عن ذلك . فهي كلمة ردع وزجر ، ثم استأنف فقال : " إن كتاب الفجار " . وقال الحسن : " كلا " بمعنى حقا . وروى ناس عن ابن عباس " كلا " قال : ألا تصدقون ، فعلى هذا : الوقف " لرب العالمين . وفي تفسير مقاتل : إن أعمال الفجار . وروى ناس عن ابن عباس قال : إن أرواح الفجار وأعمالهم " لفي سجين " . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : سجين صخرة تحت الأرض السابعة ، تقلب فيجعل كتاب الفجار تحتها . ونحوه عن ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير ومقاتل وكعب ، قال كعب : تحتها أرواح الكفار تحت خد إبليس . وعن كعب أيضا قال : سجين صخرة سوداء تحت الأرض السابعة ، مكتوب فيها اسم كل شيطان ، تلقى أنفس الكفار عندها . وقال سعيد بن جبير : سجين تحت خد إبليس . يحيى بن سلام : حجر أسود تحت الأرض ، يكتب فيه أرواح الكفار . وقال عطاء الخراساني : هي الأرض السابعة السفلى ، وفيها إبليس وذريته . وعن ابن عباس قال : إن الكافر يحضره الموت ، وتحضره رسل الله ، فلا يستطيعون لبغض الله له وبغضهم إياه ، أن يؤخروه ولا يعجلوه حتى تجيء ساعته ، فإذا جاءت ساعته قبضوا نفسه ، ورفعوه إلى ملائكة العذاب ، فأروه ما شاء الله أن يروه من الشر ، ثم هبطوا به إلى الأرض السابعة ، وهي سجين ، وهي آخر سلطان إبليس ، فأثبتوا فيها كتابه . وعن كعب الأحبار في هذه الآية قال : إن روح الفاجر إذا قبضت يصعد بها إلى السماء ، فتأبى السماء أن تقبلها ، ثم يهبط بها إلى الأرض ، فتأبى الأرض أن تقبلها ، فتدخل في سبع أرضين ، حتى ينتهى بها إلى سجين ، وهو خد إبليس . فيخرج لها من سجين من تحت خد إبليس رَقّ ، فيرقم فيوضع تحت خد إبليس . وقال الحسن : سجين في الأرض السابعة . وقيل : هو ضرب مثل وإشارة إلى أن الله تعالى يرد أعمالهم التي ظنوا أنها تنفعهم . قال مجاهد : المعنى عملهم تحت الأرض السابعة لا يصعد منها شيء . وقال : سجين صخرة في الأرض السابعة . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( سجين جب في جهنم وهو مفتوح ) وقال في الفلق : ( إنه جب مغطى ) . وقال أنس : هي دركة في الأرض السفلى . وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( سجين أسفل الأرض السابعة ) . وقال عكرمة : ( سجين : خسار وضلال ، كقولهم لمن سقط قدره : قد زلق بالحضيض . وقال أبو عبيدة والأخفش والزجاج : " لفي سجين " لفي حبس وضيق شديد ، فعيل من السجين ، كما يقول : فسيق وشريب ، قال ابن مقبل :
ورُفْقَةٍ يَضْرِبُونَ البَيْضَ ضَاحِيةً *** ضَرْباً تواصتْ بهِ الأبطالُ سَجِينَا{[15849]}
والمعنى : كتابهم في حبس ، جعل ذلك دليلا على خساسة منزلتهم ، أو لأنه يحل من الإعراض عنه والإبعاد له محل الزجر والهوان . وقيل : أصله سجيل ، فأبدلت اللام نونا . وقد تقدم ذلك . وقال زيد بن أسلم : سجين في الأرض السافلة ، وسجيل في السماء الدنيا . القشيري : سجين : موضع في السافلين ، يدفن فيه كتاب هؤلاء ، فلا يظهر بل يكون في ذلك الموضع كالمسجون . وهذا دليل على خبث أعمالهم ، وتحقير الله إياها ؛ ولهذا قال في كتاب الأبرار : " يشهده المقربون " .
ولما أنهى {[72154]}سبحانه ما أراد{[72155]} من تعظيم ذلك اليوم-{[72156]} والتعجيب ممن لم يفده براهينه أن يجوزه والإنكار عليه ، وكان مع ما فيه من التقريع مفهماً للتقرير ، نفى بأداة الردع للمبالغة في النفي مضمون ما وقع الاستفهام عنه فقال : { كلا } {[72157]}أي لا{[72158]} يظن أولئك ذلك بوجه من الوجوه لكثافة طباعهم ووقوفهم{[72159]} مع المحسوس دأب البهائم بل لا يجوزونه ، ولو جوزوه لما وقعوا في ظلم أحد من يسألون عنه في ذلك اليوم المهول ، وما أوجب لهم الوقوع في الجرائم إلا الإعراض عنه ، وقال الحسن رحمه الله تعالى{[72160]} : هي بمعنى حقاً متصلة{[72161]} بما بعدها{[72162]} - انتهى . وهي مع ذلك مفهمة للردع الذي ليس بعده ردع عن اعتقاد مثل ذلك والموافقة لشيء مما يوجب الخزي فيه .
ولما أخبر عن إنكارهم ، استأنف{[72163]} إثبات ما أنكروه على أبلغ وجه وأفظعه{[72164]} مهولاً لما{[72165]} يقع لهم من الشرور وفوات السرور ، مؤكداً لأجل إنكارهم فقال : { إن كتاب } وأظهر موضع الإضمار{[72166]} تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال : { الفجار } أي صحيفة حساب هؤلاء الذين حملهم على كفرهم{[72167]} مروقهم وكذا كل من وافقهم{[72168]} في صفاتهم فكان في غاية المروق مما حقه ملابسته وملازمته ، وأبلغ في التأكيد فقال : { لفي سجين * } هو علم منقول في صيغة المبالغة{[72169]} عن وصف من-{[72170]} السجن وهو الحبس لأنه سبب الحبس في جهنم أي إنه ليس فيه أهلية الصعود إلى محل الأقداس إشارة إلى أن كتابهم إذا كان في سجن عظيم أي ضيق شديد كانوا هم في-{[72171]} أعظم ، قال ابن جرير{[72172]} : وهي الأرض السابعة - انتهى وهو يفهم-{[72173]} مع هذه الحقيقة أنهم في غاية الخسارة لأنه يقال لكل من انحط : صار تراباً ولصق بالأرض - ونحو ذلك ،