الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ حِينَ تُمۡسُونَ وَحِينَ تُصۡبِحُونَ} (17)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فسبحان الله} يعني فصلوا لله عز وجل، {حين تمسون} يعني صلاة المغرب وصلاة العشاء، {وحين تصبحون} يعني صلاة الفجر...

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

قال مالك: وقت الصلوات كلها في كتاب الله عز وجل، فأما قول الله تعالى: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} فكذلك المغرب والعشاء، والصبح، وقوله: {وعشيا وحين تظهرون}. {فعشيا} العصر، {وحين تظهرون}، الظهر.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فسبحوا الله أيها الناس: أي صلوا له حين تمسون، وذلك صلاة المغرب، وحين تصبحون، وذلك صلاة الصبح.

"وَلَهُ الحَمْدُ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ" يقول: وله الحمد من جميع خلقه دون غيره في السموات من سكانها من الملائكة، والأرض من أهلها، من جميع أصناف خلقه فيها، "وَعَشِيّا" يقول: وسَبّحوه أيضا عشيا، وذلك صلاة العصر "وَحِينَ تُظْهِرُونَ" يقول: وحين تَدْخلون في وقت الظهر.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

فهمت الأمة من قوله: {فسبحان الله} الصلاة، أي صلوا لله، ولو كانت أفهام أهل زماننا هذا لكانوا لا يفهمون سوى التسبيح المذكور.

ثم يحتمل تسميتهم التسبيح صلاة وفهمهم منه ذلك لوجهين: أحدهما: لما في الصلاة تسبيح، فسموها بذلك لما فيها ذلك.

[والثاني]: لما أن التسبيح تنزيه، والصلاة من أولها إلى أخرها تنزيه الرب لأن فيها إظهار الحاجات إليه والعجز والضعف، ومنها تعظيم الرب وإجلاله ووصفه بالجلال والرفعة.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

وفي تسمية الصلاة بالتسبيح وجهان:... الثاني: مأخوذ من السبحة، والسبحة الصلاة. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:"تَكُونُ لَكُم سَبْحَةٌ يَوْمَ القِيَامَةِ" أي صلاة.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

" حين تمسون وحين تصحبون "فالإمساء الدخول في المساء، والمساء مجيء الظلام بالليل، والاصباح نقيضه، وهو الدخول في الصباح، وهو مجيء ضوء النهار...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

لما ذكر الوعد والوعيد، أتبعه ذكر ما يوصل إلى الوعد وينجي من الوعيد والمراد بالتسبيح ظاهره الذي هو تنزيه الله من السوء والثناء عليه بالخير في هذه الأوقات لما يتجدّد فيها من نعمة الله الظاهرة...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

في الآية مسائل:

المسألة الأولى: في معنى سبحان الله ولفظه، أما لفظه ففعلان اسم للمصدر الذي هو التسبيح، سمي التسبيح بسبحان وجعل علما له، وأما المعنى فقال بعض المفسرين: المراد منه الصلاة، أي صلوا، وذكروا أنه أشار إلى الصلوات الخمس، وقال بعضهم أراد به التنزيه، أي نزهوه عن صفات النقص وصفوه بصفات الكمال، وهذا أقوى والمصير إليه أولى، لأنه يتضمن الأول وذلك لأن التنزيه المأمور به يتناول التنزيه بالقلب، وهو الاعتقاد الجازم وباللسان مع ذلك، وهو الذكر الحسن وبالأركان معهما جميعا وهو العمل الصالح، والأول هو الأصل، والثاني ثمرة الأول والثالث ثمرة الثاني، وذلك لأن الإنسان إذا اعتقد شيئا ظهر من قلبه على لسانه، وإذا قال ظهر صدقه في مقاله من أحواله وأفعاله، واللسان ترجمان الجنان والأركان برهان اللسان، لكن الصلاة أفضل أعمال الأركان، وهي مشتملة على الذكر باللسان والقصد بالجنان، وهو تنزيه في التحقيق، فإذا قال نزهوني، وهذا نوع من أنواع التنزيه، والأمر المطلق لا يختص بنوع دون نوع فيجب حمله على كل ما هو تنزيه فيكون أيضا هذا أمرا بالصلاة.

ثم إن قولنا يناسب ما تقدم، وذلك لأن الله تعالى لما بين أن المقام الأعلى والجزاء الأوفى لمن آمن وعمل الصالحات حيث قال: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون} قال: إذا علمتم أن ذلك المقام لمن آمن وعمل الصالحات والإيمان تنزيه بالجنان وتوحيد باللسان والعمل الصالح استعمال الأركان والكل تنزيهات وتحميدات، فسبحان الله أي فأتوا بذلك الذي هو الموصل إلى الحبور في الرياض، والحضور على الحياض.

المسألة الثانية: خص بعض الأوقات بالأمر بالتسبيح وذلك لأن أفضل الأعمال أدومها، لكن أفضل الملائكة ملازمون للتسبيح على الدوام كما قال تعالى: {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} والإنسان ما دام في الدنيا لا يمكنه أن يصرف جميع أوقاته إلى التسبيح، لكونه محتاجا إلى أكل وشرب وتحصيل مأكول ومشروب وملبوس ومركوب فأشار الله تعالى إلى أوقات إذا أتى العبد بتسبيح الله فيها يكون كأنه لم يفتر وهي الأول والآخر والوسط أول النهار وآخره ووسطه فأمر بالتسبيح في أول الليل ووسطه، ولم يأمر بالتسبيح في آخر الليل لأن النوم فيه غالب والله من على عباده بالاستراحة بالنوم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

النص يربط التسبيح والحمد بالأوقات: الإمساء والإصباح والعشي والإظهار؛ كما يربطهما بآفاق السماوات والأرض. فيتقصى بهما الزمان والمكان؛ ويربط القلب البشري بالله في كل بقعة وفي كل أوان؛ ويشعر بتلك الرابطة في الخالق مع هيكل الكون ودورة الأفلاك وظواهر الليل والنهار والعشي والإظهار.. ومن ثم يظل هذا القلب مفتوحا يقظا حساسا، وكل ما حوله من مشاهد وظواهر، وكل ما يختلف عليه من آونة وأحوال، يذكره بتسبيح الله وحمده؛ ويصله بخالقه وخالق المشاهد والظواهر والآونة والأحوال...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الفاء تقتضي اتصال ما بعدها بما قبلها وهي فاء فصيحة، أو عطف تفريع على ما قبلها وقد كان أول الكلام قوله {أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق} [الروم: 8]، والضمير عائد إلى أكثر الناس في قوله {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم: 6] والمراد بهم الكفار فالتفريع أو الإفصاح ناشئ عن ذلك فيكون المقصود من {سبحان الله} إنشاء تنزيه الله تعالى عما نسبوه إليه من العجز عن إحياء الناس بعد موتهم وإنشاء ثناء عليه.

والخطاب في {تُمْسُونَ} و {تُصْبِحُونَ} تابع للخطاب الذي قبله في قوله {ثُمَّ إليهِ تُرْجعون} [الروم: 11]، وهو موجه إلى المشركين على طريقة الالتفات من ضمائر الغيبة المبتدئة من قوله {أو لم يتفكروا في أنفسهم} [الروم: 8] إلى آخرها كما علمت آنفاً. وهذا هو الأنسب باستعمال مصدر (سبحان) في مواقع استعماله في الكلام وفي القرآن مثل قوله تعالى {سبحانه وتعالى عما يشركون} [الزمر: 67] وهو الغالب في استعمال مصدر {سبحان في الكلام إن لم يكن هو المتعين كما تقتضيه أقوال أيمة اللغة. وهذا غير استعمال نحو قوله تعالى {فسبِّح بحَمْد ربِّك حِينَ تقُوم} [الطور: 48]

وقوله {حين تمْسُون،} و {حين تَصبحون}، و {عشياً، وحين تظْهرون} ظروف متعلقة بما في إنشاء التنزيه من معنى الفعل، أي يُنْشأ تنزيه الله في هذه الأوقات وهي الأجزاء التي يتجزأ الزمان إليها، والمقصود التأبيد كما تقول: سبحان الله دَوْماً. وسلك به مسلك الإطناب لأنه مناسب لمقام الثناء. وجوّز بعض المفسرين أن يكون {سبحان} هنا مصدراً واقعاً بدلاً عن فعل أمر بالتسبيح كأنه قيل: فسبحوا الله سبحاناً. وعليه يخرج ما روي أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس: هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم. وتلا قوله تعالى {فسُبْحان الله حِينَ تمْسُون وحين تُصْبِحون} إلى قوله {وحِينَ تظهرون} فإذا صح ما روي عنه فتأويله: أن {سبحان} أمر بأن يقولوا: سبحان الله، وهو كناية عن الصلاة لأن الصلاة تشتمل على قول: سبحان ربي الأعلى وبحمده.

وقوله {حين تمسون} إلى آخره إشارة إلى أوقات الصلوات وهو يقتضي أن يكون الخطاب موجهاً إلى المؤمنين. والمناسبة مع سابقه أنه لما وعدهم بحسن مصيرهم لقّنهم شكر نعمة الله بإقامة الصلاة في أجزاء اليوم والليلة. وهذا التفريع يؤذن بأن التسبيح والتحميد الواقعين إنشاءً ثناء على الله كناية عن الشكر عن النعمة لأن التصدي لإنشاء الثناء عقب حصول الإنعام أو الوعد به يدل على أن المادح ما بعثه على المدح في ذلك المقام إلا قصد الجزاء على النعمة بما في طوقه، كما ورد (فإن لم تقدروا على مكافأته فادعوا له).

وليست الصلوات الخمس وأوقاتها هي المراد من الآية ولكن نسجت على نسج صالح لشموله الصلوات الخمس وأوقاتها وذلك من إعجاز القرآن، لأن الصلاة وإن كان فيها تسبيح ويطلق عليها السُبحة فلا يطلق عليها: سبحان الله...

وأضيف الحين إلى جملتي {تمسون وتصبحون}. وقدم فعل الإمساء على فعل الإصباح: إما لأن الاستعمال العربي يعتبرون فيه الليالي مبدأ عدد الأيام كثيراً قال تعالى {سيروا فيها ليَالِيَ وأياماً آمنين} [سبأ: 18]، وإما لأن الكلام لما وقع عقب ذكر الحشر من قوله {الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه تُرجعون} [الروم: 11] وذكر قيام الساعة ناسب أن يكون الإمساء وهو آخر اليوم خاطراً في الذهن فقُدم لهم ذكره.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

هنا تتجلى عظمة الإيمان، وتتجلى محبة الله تعالى لخلقه، حيث يدعوهم إليه في كل أوقات اليوم والليلة، في الصباح وفي المساء، في العشية والظهيرة.

والحق سبحانه حين يطلب من عباده أن يؤمنوا به، إنما لحبه لهم، وحرصه عليهم ليعطيهم، ويفيض عليهم من آلائه، وإلا فهو سبحانه بصفات الكمال والجلال غني عنهم، فإيمان المؤمنين لا يزيد في ملكه سبحانه شيئا، كذلك كفر الكافرين لا ينقص من ملكه سبحانه شيئا. إذن: المسألة أنه سبحانه يريد أن يبر صنعته، ويكرم خلقه وعباده؛ لذلك يستدعيهم إلى حضرته، وقربنا هذه المسألة بمثل- ولله تعالى المثل الأعلى-، قلنا: إذا أردت أن تقابل أحد العظماء، أو أصحاب المراكز العليا، فدون هذا اللقاء مشاق لا بد أن تتجشمها. لا بد أن يؤذن لك أولا في اللقاء، ثم يحدد لك الزمان والمكان، بل ومدة اللقاء وموضوعه، وربما الكلمات التي ستقولها، ثم هو الذي ينهي اللقاء، لا أنت. هذا إن أردت لقاء الخلق، فما بالك بلقاء الخالق عز وجل؟ يكفي أنه سبحانه يستدعيك بنفسه إلى حضرته، ويجعل ذلك فرضا وحتما عليك، ويطلبك قبل أن تطلبه، ويذكرك قبل أن تذكره، لا مرة واحدة، إنما خمس مرات في اليوم والليلة، فإذا لبيت طلبه أفاض عليك من رحمته، ومن نعمه، ومن تجلياته، وما بالك بصنعة تعرض على صانعها خمس مرات كل يوم، أيصيبها عطب؟ ثم يترك لك ربك كل تفاصيل هذه المقابلة، فتختار أنت الزمان والمكان والموضوع، فإن أردت أن تطيل أمد المقابلة، فإن ربك لا يمل حتى تمل؛ وكلمة {فسبحان الله.. هي في ذاتها عبادة وتسبيح لله: أنزه الله عن أن يكون مثله شيء؛ لذلك يقول أهل المعرفة: كل ما يخطر ببالك فالله غير ذلك؛ لأنه سبحانه: {ليس كمثله شيء... 11} (الشورى) وقلنا: إنك لو استقرأت مادة سبح ومشتقاتها في كتاب الله تجد في أول الإسراء: {سبحان الذي أسرى بعبده... 1} (الإسراء) وفي أول سورة الحديد: {سبح لله ما في السماوات والأرض... 1} (الحديد) ثم {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض... 1} (الجمعة) فكأن الله تعالى مسبح أزلا قبل أن يخلق من يسبحه، فالتسبيح ثابت لله أولا، وبعد ذلك سبحت له السماوات والأرض، ولم ينقطع تسبيحها، إنما ما زالت مسبحة لله. فإذا كان التسبيح ثابتا لله تعالى قبل أن يخلق من يسبحه، وحين خلق السماوات والأرض سبحت له السماوات والأرض وما زالت، فعليك أنت أيها الإنسان ألا تشذ عن هذه القاعدة، وألا تتخلف عن هذه المنظومة الكونية، وأن تكون أنت كذلك مسبحا، لكن أراد بعض العلماء أن يقرب تسبيح الجمادات التي لا يسمع لها صوتا ولا حسا، فقال: إن تسبيحها تسبيح دلالة على الله، ونقول: إن كان تسبيح دلالة كما تقول فقد فهمته، والله يقول {ولكن لا تفقهون تسبيحهم... 44} (الإسراء) إذن: ففهمك له غير حقيقي، وما دام أن الله أخبر أنها تسبح فهي تسبح على الحقيقة بلغة لا نعرفها نحن، ولم لا والله قد أعطانا أمثلة الأشياء غير ناطقة سبحت؟ ألم يقل عن الجبال أنها تسبح مع داود عليه السلام: {يا جبال أوبي معه والطير... 10} (سبأ) ألم يثبت للنملة وللهدهد كلاما ومنطقا؟ وقال في عموم الكائنات: {كل قد علم صلاته وتسبيحه... 41} (النور) إذن: فالتسبيح لله تعالى من كل الكائنات، لذلك تأتي كلمة (سبحان الله) في الأشياء التي يجب أن تنزه الله فيها لذلك تأتي كلمة (سبحان الله) في الأشياء التي يجب أن تنزه الله فيها، واقرأ إن شئت قوله تعالى في الإسراء: {سبحان الذي أسرى بعبده... 1} (الإسراء) كأنه سبحانه يقول لنا: نزهوا الله عن مشابهة البشر، وعن قوانين البشر في هذه المسألة، إياك أن تقول: كيف ذهب محمد من مكة إلى بيت المقدس، ثم يصعد إلى السماء، ويعود في ليلة واحدة.

كذلك جاءت كلمة (سبحان) في قوله تعالى: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون36} (يس) لماذا؟ لأن مسألة الخل من المسائل التي يقف عندها العقل، وينبغي أن ننزه الله عن يشاركه فيها أحد.

ولما نزلت هذه الآية كان الناس يعرفون الزوجية في النبات لأنهم كانوا يلقحون النخل، ويعرفونها في الإنسان؛ لأنهم يتزوجون وينجبون، وكذلك يعرفونها في الحيوان، هذه حدود العقل في مسألة الزوجية.

لكن الآية لم تقتصر على ذلك، إنما قال سبحانه {ومما لا يعلمون 36} (يس) لأن المستقبل سيكشف لهم عن أشياء أخرى تقوم على نظرية الزوجية، وقد عرفنا نحن هذه النظرية في الكهرباء مثلا حيث (السالب) و (الموجب)، وفي الذرات حيث (الإلكترونات)، و (البروتونات)... الخ.

إذن: ساعة تسمع كلمة التسبيح فاعلم أنك ستستقبل حدثا فريدا، ليس كأحداث البشر، ولا يخضع لقوانينهم.