نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ حِينَ تُمۡسُونَ وَحِينَ تُصۡبِحُونَ} (17)

ولما بين سبحانه المبدأ بخلق السماوات والأرض ، والمعاد بالجنة والنار ، وأنهم كذبوا به ، وكان تكذيبهم به مستلزماً لاعتقاد نقائص كثيرة{[52762]} منها العجز وإخلاف الوعد وترك الحكمة{[52763]} ، كان ذلك{[52764]} سبباً لأن ينزه سبحانه نفسه المقدسة ويأمر بتنزيهها ، لأن ذلك يدفع عن المنزه مضار الوعيد ، ويرفعه إلى مسار الوعد ، فقال ذاكراً من أفعاله العالية التي لا مطمع{[52765]} لغيره في القدرة على شيء منها ما يدل على خلاف ذلك الذي يلزم اعتقادهم ، لافتاً الكلام عن صيغة العظمة إلى أعظم منها بذكر الاسم الأعظم . { فسبحان الله } أي سبحوا الذي له جميع العظمة{[52766]} بمجامع{[52767]} التسبيح بأن تقولوا هذا القول الذي هو عَلَمه ، فهو منزه عن كل نقص ؛ ثم ذكر أوقات التسبيح إشارة إلى ما فيها من التغير الذي هو منزه عنه و{[52768]} إلى ما يتجدد فيها من النعم ووجود الأحوال الدالة على القدرة على الإبداع الدال على البعث ، فقال دالاً على الاستغراق بنزع الخافض مقدماً المحو لأنه أدل على البعث الذي النزاع فيه وهو الأصل ، لافتاً الكلام إلى الخطاب لأنه أشد تنبيهاً : { حين تمسون } أي أول دخول الليل بإذهاب النهار وتفريق النور ، فيعتريكم الملل ، ويداخلكم الفتور والكسل ، على سبيل التجدد والاستمرار ، وأكد الندب إلى التسبيح بإعادة المضاف فقال : { وحين تصبحون* } بتحويل الأمر فتقومون أحياء بعد أن كنتم أمواتاً فتجدون نهاراً قد أضاء بعد ليل كان دجى ، فتفعلون ما هو سبحانه منزه عنه من الحركة والسعي في جلب النفع ودفع الضرر ، وأرشد السياق إلى أن التقدير : وله الحمد في هذين الجنسين{[52769]} .


[52762]:زيد من ظ ومد.
[52763]:في ظ: لحكمته، وفي مد: لحكمة.
[52764]:سقط من ظ.
[52765]:في ظ: مطلع.
[52766]:زيد من ظ ومد.
[52767]:من مد وفي الأصل وظ: بجامع.
[52768]:سقطت الواو من ظ.
[52769]:زيد من ظ ومد.