الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَٱلۡيَوۡمَ لَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗا وَلَا تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (54)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فاليوم} في الآخرة.

{لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون} من الكفر جزاء الكافر النار...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"فالْيَوْمَ" يعني يوم القيامة "لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا "كذلك ربنا لا يظلم نفسا شيئا، فلا يوفيها جزاء عملها الصالح، ولا يحمل عليها وِزْر غيرها، ولكنه يوفي كل نفس أجر ما عملت من صالح، ولا يعاقبها إلا بما اجترمت واكتسبت من شيء "وَلا تُجْزَوْنَ إلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" يقول: ولا تكافؤون إلا مكافأة أعمالكم التي كنتم تعملونها في الدنيا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

الظلم في اللغة هو وضع الشيء في غير موضعه؛ كأنه يقول، والله أعلم، فاليوم لا توضع نفس في غير موضعها في الدنيا.

أو يكون الظلم عبارة عن النقصان، كأنه يقول، والله أعلم: فاليوم لا تُنقص نفس عما استوجبت، بل توفى كقوله: {ولم تظلم منه شيئا} [الكهف: 33] [أي لم تنقص منه].

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

هذه مخاطبة يحتمل أن تكون لجميع العالم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{لا تظلم نفس} ليأمن المؤمن {ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون} لييأس المجرم الكافر وفيه مسائل:

المسألة الأولى: ما الفائدة في الخطاب عند الإشارة إلى يأس المجرم بقوله: {ولا تجزون} وترك الخطاب في الإشارة إلى أمان المؤمن من العذاب بقوله: {لا تظلم} ولم يقل ولا تظلمون أيها المؤمنون؟ نقول لأن قوله: {لا تظلم نفس شيئا} يفيد العموم وهو كذلك فإنها لا تظلم أبدا {ولا تجزون} مختص بالكافر، فإن الله يجزي المؤمن وإن لم يفعل فإن الله فضلا مختصا بالمؤمن وعدلا عاما، وفيه بشارة.

المسألة الثانية: ما المقتضى لذكر فاء التعقيب؟ نقول لما قال: {محضرون} [يس: 53] مجموعون والجمع للفصل والحساب، فكأنه تعالى قال إذا جمعوا لم يجمعوا إلا للفصل بالعدل، فلا ظلم عند الجمع للعدل، فصار عدم الظلم مترتبا على الإحضار للعدل.

المسألة الثالثة: لا يجزون عين ما كانوا يعملون، بل يجزون بما كانوا أو على ما كانوا وقوله: {ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون} يدل على أن الجزاء بعين العمل، لا يقال جزى يتعدى بنفسه وبالباء، يقال جزيته خيرا وجزيته بخير؛ لأن ذلك ليس من هذا لأنك إذا قلت جزيته بخير لا يكون الخير مفعولك، بل تكون الباء للمقابلة والسببية، كأنك تقول جزيته جزاء بسبب ما فعل، فنقول الجواب عنه من وجهين:

أحدهما: أن يكون ذلك إشارة على وجه المبالغة إلى عدم الزيادة وذلك؛ لأن الشيء لا يزيد على عينه، فنقول قوله تعالى: يجزون بما كانوا يعملون في المساواة كأنه عين ما علموا يقال فلان يجاوبني حرفا بحرف أي لا يترك شيئا، وهذا يوجب اليأس العظيم.

الثاني: هو أن ما غير راجع إلى الخصوص، وإنما هي للجنس، تقديره ولا تجزون إلا جنس العمل أي إن كان حسنة فحسنة، وإن كانت سيئة فسيئة فتجزون ما تعملون من السيئة والحسنة، وهذا كقوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان هذا الإحضار بسبب العدل وإظهار جميع صفات الكمال قال: {فاليوم}.

ولما كان نفي الظلم مطلقاً أبلغ من نفيه عن أحد بعينه، وأدل على المراد وأوجز، قال لافتاً القول عن الإظهار أو الإضمار بمظهر العظمة أو غيره! {لا تظلم}.

ولما كان التعبير بما كثر جعله محط الرذائل والحظوظ والنقائص أدل على عموم نفي الظلم قال: {نفس} أي أيّ نفس كانت مكروهة أو محبوبة.

{شيئاً} أي لا يقع لها ظلم ما من أحد ما في شي ما.

ولما كانت المجازاة بالجنس أدل على القدرة وأدخل في العدل، قال محققاً بالخطاب والجمع أن المنفي ظلمه كل من يصلح للخطاب لئلا يقع في وهم أن المنفي ظلمه نفوس مخصوصة أو نفس واحد: {ولا تجزون} أي على عمل من الأعمال شيئاً من الجزاء من أحد ما.

{إلا ما كنتم تعملون} ديدناً لكم بما ركز في جبلاتكم.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

إن كان قوله تعالى: {هذا ما وعَدَ الرحمن} [يس: 52] حكاية لكلام الكفار يوم البعث كان هذا كلاماً من قبل الله تعالى بواسطة الملائكة، وكانت الفاء في قوله: {فاليوم لا تُظلمُ نفسٌ شَيْئاً} فاء فصيحة وهي التي تفصح وتنبىء عن كلام مقدّر نشأ عن قوله: {فإذا هم جميع لدينا محضرون} [يس: 53] فهو خطاب للذين قالوا: {من بعثنا من مرقدنا} [يس: 52]. والمعنى: فقد أيقنتم أن وعد الله حق وأن الرسل صدقوا فاليوم يوم الجزاء كما كان الرسل ينذرونكم.

وإن كان قوله: {هذا ما وعَدَ الرحمن} [يس: 52] من كلام الملائكة كانت الفاء تفريعاً عليه وكانت جملة {إن كانَتْ إلاَّ صيحَةً واحِدَةً} [يس: 53] الخ معترضة بين المفرع والمفرع عليه.

و« اليوم» ظرف وتعريفه للعهد، وهو عهد حضور يعني يوم الجزاء. وفائدة ذكر التنويه بذلك اليوم بأنه يوم العدل.

وأشعر قوله: {لا تُظلم نفسٌ شيئاً} بالتعريض بأنهم سيلقون جزاء قاسياً لكنه عادل لا ظلم فيه لأن نفي الظلم يشعر بأن الجزاء مما يُخال أنه متجاوز معادَلَةَ الجريمة، وهو معنى {ولاَ تُجْزونَ إلاَّ ما كنتم تعملون} أي إلا على وفاق ما كنتم تعملون وعلى مقداره. وانتصب {شيئاً} على المفعول المطلق، أي شيئاً من الظلم.

ووقوع {نَفْسٌ} و {شَيْئاً} وهما نكرتان في سياق النفي يعمّ انتفاء كل ذلك عن كل نفس وانتفاء كل شيء من حقيقة الظلم وذلك يعمّ جميع الأنفس.. ولكن المقصود أنفس المعاقَبين، أي أن جزاءهم على حسب سيّئاتهم جزاء عادل.

وإذ قد كان تقديره من الله تعالى وهو العليم بكل شيء، كانت حقيقة العدل محققة في مقدار جزائهم؛ إذ كلّ عدل غير عدل الله معرض للزيادة والنقصان في نفس الأمر، ولكنه يجري على حسب اجتهاد الحاكمين، والله لم يكلف الحاكم إلاّ ببذل جهده في إصابة الحق، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد".

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

كأن الحق سبحانه يُطمئِن أهل الإيمان والعمل الصالح، يعني: لا تخافوا من هَوْل القيامة؛ لأننا لا نظلم أحداً، والجزاء عندنا من جنس العمل {وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فهذه الآية طمأنينة لمن عمل صالحاً، وتخويف لمن عمل سيئاً.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

إنّ ظاهر الآية ومن دون تقدير مضمر يهدف إلى القول بأنّ جزاءكم جميعاً هو نفس أعمالكم، فأي عدالة أفضل وأعلى من هذه العدالة؟! وبعبارة اُخرى: فإنّ الأعمال الحسنة والسيّئة التي قمتم بها في هذه الدنيا سترافقكم في ذلك العالم أيضاً، ونفس تلك الأعمال ستتجسّد هناك وترافقكم في جميع مراحل الآخرة، في المحشر وبعد نهاية الحساب، ومن هنا يتّضح أن لا معنى للظلم أساساً في مشهد يوم القيامة، وإذا كان يحدث في الدنيا بين البشر أن تتحقّق العدالة حيناً ويقع الظلم أحياناً كثيرة، فذلك لعدم إمكان ربط الأعمال بفاعليها.

إنّ الحديث هنا هو حديث عن العدالة في الثواب والعقاب، وأخذ الجزاء حسب الاستحقاق، وهذا لا ينافي أنّ الله سبحانه وتعالى يريد أن يزيد المؤمنين من فضله، فهذه مسألة «تفضل» وتلك مسألة «استحقاق».