الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٍ} (41)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إنا أنزلنا عليك الكتاب} يعني القرآن.

{للناس بالحق فمن اهتدى} بالقرآن.

{فلنفسه ومن ضل} عن الإيمان بالقرآن {فإنما يضل عليها}: فضلالته على نفسه، إثم ضلالته على نفسه.

{وما أنت} يا محمد {عليهم بوكيل} بمسيطر نسختها.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا أنزلنا عليك يا محمد الكتاب تبيانا للناس بالحقّ، "فَمَن اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ "يقول: فمن عمل بما في الكتاب الذي أنزلناه إليه واتبعه "فلنفسه"، يقول: فإنما عمل بذلك لنفسه، وإياها بغى الخير لا غيرها، لأنه أكسبها رضا الله والفوز بالجنة، والنجاة من النار. "وَمَنْ ضَلّ" يقول: ومن جار عن الكتاب الذي أنزلناه إليك، والبيان الذي بيّناه لك، فضل عن قصد المحجة، وزال عن سواء السبيل، فإنما يجوز على نفسه، وإليها يسوق العطب والهلاك، لأنه يكسبها سخط الله، وأليم عقابه، والخزي الدائم. "وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بوَكِيل" يقول تعالى ذكره: وما أنت يا محمد على من أرسلتك إليه من الناس برقيب ترقب أعمالهم، وتحفظ عليهم أفعالهم، إنما أنت رسول، وإنما عليك البلاغ، وعلينا الحساب...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أنشأ الله عز وجل البشر درّاكا مميِّزا بين الخبيث والطيب وبين الحسن والقبيح وبين ما لهم وما عليهم وبين السبيلين جميعا غاية البيان، وأوضح كل سبيل نهاية الإيضاح أنه من سلكه إلى ماذا يُفضيه، وينهيه، ثم امتحنهم في ذلك، ومكّن لهم من السلوك في كل أحد من السبيلين بعد البيان منه أنه من سلك سبيل كذا، ومن سلك سبيل كذا أفضاه إلى كذا امتحانا منه...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{لِلنَّاسِ} لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه؛ ليبشروا وينذروا، فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية، ولا حاجة إلى ذلك فأنا الغني، فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه، ومن اختار الضلالة فقد ضرّها، وما وكلت عليهم لتجبرهم على الهدى، فإنّ التكليف مبني على الاختيار دون الإجبار...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

أخبر نبيه أنه ليس بوكيل عليهم ولا مسيطر، والوكيل: القائم على الأمر حتى يكمله.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

لست مأمورا بأن تحملهم على الإيمان على سبيل القهر بل القبول وعدمه مفوض إليهم، وذلك لتسلية الرسول في إصرارهم على الكفر، ثم بين تعالى أن الهداية والضلال لا يحصلان إلا من الله تعالى؛ وذلك لأن الهداية تشبه الحياة واليقظة والضلال يشبه الموت والنوم، وكما أن الحياة واليقظة وكذلك الموت والنوم لا يحصلان إلا بتخليق الله عز وجل وإيجاده فكذلك الهداية والضلال لا يحصلان إلا من الله تعالى، ومن عرف هذه الدقيقة فقد عرف سر الله تعالى في القدر، ومن عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب، فيصير التنبيه على هذه الدقيقة سببا لزوال ذلك الحزن عن قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا وجه النظم في الآية وقيل نظم الآية أنه تعالى ذكر حجة أخرى في إثبات أنه الإله العالم ليدل على أنه بالعبادة أحق من هذه الأصنام...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما تجلت عرائس هذه المعاني آخذة بالألباب، ولمعت سيوف تلك المباني من المثاني قاطعة الرقاب، وختمها بما ختم من صادع الإرهاب، أنتجت ولا بد قوله معللاً لإتيان ما توعدهم به مؤكداً لما لهم من الإنكار لمضمون هذا الإخبار: {إنا أنزلنا} أي بما لنا من باهر العظمة ونافذ الكلمة.

ولما كان توسط الملك خفياً،لم يعده فأسقط حرف الغاية إفهاماً؛ لأنه في الحقيقة بلا واسطة بعد أن أثبت وساطته أول السورة فقال مقروناً بالأمر بالعبادة إشارة إلى بداية الحال، فلما حصل التمكن فصار الكتاب خلقاً له صلى الله عليه وسلم وصار ظهوره فيه هادياً لغيره، نبه على ذلك بأداة الاستعلاء فقال: {عليك} أي خاصة لا على غيرك من أهل هذا الزمان؛ لأنك عندنا الخالص لنا دون أهل القريتين ودون أهل الأرض كلهم، لم يكن لشيء دوننا فيك حظ.

{الكتاب} الجامع لكل خير لكونه في غاية الكمال بما دل عليه "ال "{للناس} عامة لأن رسالتك عامة.

{بالحق} مصاحباً له، لا يقدر الخلق على أن يزيحوا معنى من معانيه عن قصده، ولا لفظاً من ألفاظه عن سبيله وحده، بل هو معجز في معانيه -حاضرة كانت أو غائبه- ونظومه، وألفاظه وأسماء سوره وآياته وجميع رسومه، فلا بد من إتيان ما فيه من وعد ووعيد.

ولما تسبب عن علم ذلك وجوب المبادرة إلى الإذعان له لفوز الدارين، حسن جداً قوله تعالى تسلية له صلى الله عليه وسلم لعظيم ما له من الشفقة عليهم وتهديداً لهم: {فمن اهتدى} أي طاوع الهادي.

{فلنفسه} أي فاهتداؤه خاص نفعه بها ليس له فيه إلا أجر التسبب.

{ومن ضل} أي وقع منه ضلال بمخالفته لداعي الفطرة ثم داعي الرسالة عن علم وتعمد، أو إهمال للنظر وتهاون.

ولما كان ربما وقع في وهم أنه يحلق الداعي بعد البيان ومن إثم الضال، وكان السياق لتهديد الضالين. زاد في التأكيد فقال: {فإنما يضل عليها} أي ليس عليك شيء من ضلاله، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.

ولما هدى السياق إلى أن التقدير: فما أنت عليهم بجبار لتقهرهم على الهدى، عطف عليه قوله: {وما أنت} أي في هذا الحال، ولمزيد العناية بنفي القهر أداة الاستعلاء فقال: {عليهم بوكيل} لتحفظهم عن الضلال، فإن الرسالة إليهم لإقامة الحجة لا لقدرة الرسول على هدايتهم ولا لعجز المرسل عن ذلك...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق).. الحق في طبيعته. والحق في منهجه. والحق في شريعته. الحق الذي تقوم عليه السماوات والأرض؛ ويلتقي عليه نظام البشرية في هذا الكتاب ونظام الكون كله في تناسق. هذا الحق نزل (للناس) ليهتدوا به ويعيشوا معه ويقوموا عليه. وأنت مبلغ. وهم بعد ذلك وما يشاءون لأنفسهم من هدى أو ضلال، ومن نعيم أو عذاب. فكل مورد نفسه ما يشاء؛ وما أنت بمسيطر عليهم ولا بمسؤول عنهم.

(فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، وما أنت عليهم بوكيل).. إنما الوكيل عليهم هو الله. وهم في قبضته في صحوهم ونومهم وفي كل حالة من حالاتهم وهو يتصرف بهم كما يشاء...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الجملة تعليل للأمر بأن يقول لهم اعملوا على مكانتكم المفيد موادعتَهم وتهوينَ تصميم كفرهم عليه، وتثبيتَه على دعوته، والمعنَى: لأنا نزلنا عليك الكتاب بالحق لفائدة الناس وكفاك ذلِك شرفاً وهدايةً وكفاك تبليغه إليهم فمن اهتدى من الناس فهدايته لنفسه بواسطتك ومن ضل فلم يهتد به فضلاَلُه على نفسه وما عليك من ضلالهم تَبعة؛ لأنك بلغتَ ما أمرتَ به. ولذلك خولف بين ما هنا وبين قوله في صدر السورة {إنَّا أنزلنا إليك الكتاب للناس بالحق} [القصص: 2]، لأن تلك في غرض التنويه بشأن النبي صلى الله عليه وسلم فناسب أن يكون إنزال الكتاب إليه.

وفاء {فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِه} للتفريع وهو تفريع ناشىء من معنى اللام. و (مَنْ) شرطية، أي من حصل منه الاهتداء في المستقبل فإن اهتداءه لفائدة نفسه لا غير أي ليست لك من اهتدائه فائدة لذاتك لأن فائدة الرسول صلى الله عليه وسلم

(وهي شرفه وأجره) ثابتة عن التبليغ سواء اهتدى من اهتدى وضل من ضل...

أما قوله: {ومَن ضَلَّ فإنما يضل عليها} فصيغة القصر فيه لتنزيل الرسول صلى الله عليه وسلم في أسفه على ضلالهم المفضي بهم إلى العذاب منزلةَ من يعود عليه من ضلالهم ضُر، فخوطب بصيغة القصر، وهو قصر قلب على خلاف مقتضى الظاهر...

{وما أنت عليهم بوكيل} لَسْتَ مأموراً بإرغامهم على الاهتداء، فصيغ هذا الخبر في جملة اسمية للدلالة على ثبات حكم هذا النفي...

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

ولعل الآية قد جاءت إنهاء لموقف الجدل والمناظرة التي ما فتئت الآيات السابقة تذكر صوره، مما تكرر في المواقف المماثلة ومرت منه أمثلة عديدة.

وجملة {فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها} من التعبيرات الحاسمة والمحكمة المقررة لقابلية الناس للاختيار بين الهدى والضلال وتحمل مسؤولية اختيارهم والتي تكررت كثيرا ومرت أمثلة عديدة منها في السور السابقة. وتصح أن تكون ضابطا من الضوابط القرآنية في مداها، ومرجعا لإزالة ما قد يبدو في بعض الآيات من إشكالات ظاهرة...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى مرة يتحدث عن ذاته سبحانه بضمير الجمع (إنَّا) ومرة بالمفرد (إني) أو (إنني)، فإنْ كان الكلام في قضية التوحيد جاء بالضمير المفرد كما في قوله سبحانه لسيدنا موسى: {إِنَّنِيۤ أَنَا اللَّهُ} [طه: 14] لأنه يريد أنْ يقرر قضية التوحيد، ويؤكد سبحانه أنه إله واحد لا شريك له. فإن كان الكلام عن أمر لله فيه عمل ولخلفائه في الأرض عمل يأتي بالجمع كما هنا {إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّـاسِ} [الزمر: 41].

وتأملوا حرف الجر في (عليك) وفي (للناس) فلحروف الجر في اللغة معَانٍ واسعة، كلمة (عليك) تدلُّ على أنني أحملك المسئولية أمَّا اللام في (للناس) فتدلّ على النفع لهم، كما نقول في الحسابات: له، عليه، فله تعطي نَفْعاً وعليه تعطي تبعات.

فكأن الحق سبحانه يقول: يا قوم يا مَنْ تسمعون لدعوة محمد اعلموا أنها لصالحكم وتعود عليكم بالنفع والغنيمة، فقد أنزلنا عليه حملاً ثقيلاً سيتعبه في ذاته وفي أهله، وسيُعرِّضه للسخرية والإيذاء والتآمر.. الخ.

فالكتاب نزل عليك يا محمد بتبعاته ومسئولياته، فتحمله وكُنْ من أولي العزم من الرسل الذين سبقوك، مع أنهم أخذوا حيِّزاً محدوداً في الزمان وفي المكان، أما أنت فأخذتَ حيِّزاً غير محدود، لا في الزمان ولا في المكان، فحين تتحمّل المشاق في سبيل دعوتك، فاعلم أنك ستتحمل من الشدائد على قدر عموم رسالتك.

إذن: فدعوة الإسلام خيرها لكم ومتاعبها يتحملها رسول الله، هذا معنى {إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّـاسِ} [الزمر: 41] أي: في صالحهم.

وحين نُوسع الحروف ونقف على معانيها نأخذ مثلاً قوله تعالى في أول سورة البقرة: {أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} [البقرة: 5].

فالمؤمنون على الهدى، و (على) تفيد الاستعلاء وكأنه مطيّة تحملهم وتريحهم لا تتعبهم وتُوصِّلهم إلى غايتهم، هكذا جاء الهدى ليريح الناس ويحملهم إلى أشرف الغايات، فالزموه لأنه ما جاء ليُحملكم ما لا تطيقون، إنما جاء ليخدمكم.

وقوله سبحانه: {بِالْحَقِّ} [الزمر: 41] الحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير، والحق يعني وضع الشيء في موضعه، فإذا زحزحتهُ عن موضعه فأنا الطارئ عليه، والحق لا بُدَّ أنْ يعود إلى موضعه مرة أخرى، وإنما هي ابتلاءات واختبارات لنُمحِّص جنود الحق لتكون عندهم الأهلية لأنْ يحملوا الدعوة إلى أنْ تقوم الساعة.

والحق سبحانه يعلمنا: إنْ رأيتَ الباطل علا وارتفع فخُذْ لك واقعة، وخُذْ لك عبرةً من الأشياء المحسَّة التي تقع تحت بصرك في أصل الحياة وهو الماء، فالماء ينزل من السماء على قمم الجبال فيأخذ معه إلى الوديان القش والحصى والزبد، فتتكون طبقة كم الريم تعلو الماء وهي حقيرة لا قيمةَ لها حتى إذا ما هبَّتْ الرياح أزاحتْ هذا الزبد هنا وهناك وبقيتْ صفحة الماء نظيفة ناصعة، هكذا يكون علو الباطل عُلواً مؤقتاً، وسرعان ما يعود الحق إلى نصابه.

والحق سبحانه ما سمح للباطل بأنْ يعلوَ إلا يظهر للناس ميزة الحق، فحين يُعضّ الناسُ بالباطل، وحين يؤلمهم يضجون منه ويشتاقون للحق، فكأن الباطل جندٌ من جنود الحق.

وقوله سبحانه: {فَـمَنِ اهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ} [الزمر: 41] أي: لصالحها، لأن المشرع سبحانه حين شرع لنا وبعث لنا الرسل وأنزل الكتب ما انتفع من ذلك بشيء، وهو سبحانه لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية، لأنه بصفات الكمال المطلق أوجدك، بل وأوجد لك قبل أنْ يستدعيك للوجود، فبصفة الكمال فيه خلق، فهو سبحانه خالق قبل أنْ يخلق شيئاً، كما تقول: فلان شاعر، يعني شاعر قبل أنْ تسمع منه شعراً، لأنه ما قال الشعر إلا لأنه شاعر.

إذن: الحق سبحانه لا ينتفع من عبادة الناس بشيء، والفائدة كلها تعود عليهم هم، لأنهم صنعته، والصانع يريد لصنعته أنْ تكون على ما يرام وعلى خير حال من بدايتها إلى نهايتها إليه سبحانه.

وما دام الشرع والمنهج جاء لصالح البشر، فمَن اهتدى فالهداية تعود إليه، ومَنْ ضَلَّ فضلاله عليه {فَـمَنِ اهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الزمر: 41] وتأمل هنا أيضاً معنى حرف الجر في {فَلِنَفْسِهِ} [الزمر: 41] وحرف الجر (عليها)، فنَفْع الهداية لك، وضرر المعصية عليك.

وقوله: {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ} [الزمر: 41] أي: ما أنت يا محمد عليهم بوكيل، والوكيل هو مَنْ يكون حُرُّ التصرف فيمن وكل عنهم، بحيث يستطيع أنْ يجبرهم، وأن يحملهم على ما يريد هو.

والحق سبحانه وتعالى ما أراد لنبيه صلى الله عليه وسلم ذلك كما قال سبحانه في موضع آخر: {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} [ق: 45] إنما أراد له أنْ يكون داعياً الحسنى، بحيث يأتي إليه الناس بالحب طواعيةً، ولو شاء لجعلهم كالملائكة وطبعهم على الطاعة...

وقوله سبحانه: {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ} [الزمر: 41] فيه تسليةٌ لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنّ ربه يقول له: لا تُتعب نفسك، ولا تُحملها فوق طاقتها، فما عليك إلا البلاغ، فإن نالك شيء من أذاهم فاعلم أنه لا يُنقص من مكانتك عندهم، فأنت عندهم الصادق الأمين، وهم يعلمون أنك على الحق، ومنزلتك عندهم كبيرة، ورأيهم فيك من أحسن الآراء، فلا تحزن لقولهم فيك: شاعر وساحر ومجنون: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ الظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33].

فكأنَّ الحق سبحْانه جعل المسألة عنده سبحانه وأعفى منها رسول الله، فأنت يا محمد لا غبارَ عليك، وما كذبك المكذِّبون الظالمون إلا لأنهم جحدوا بآياتي.