وقوله تعالى : { فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ } ، أيْ : فلنفسه عَمِلَ وسعى ، ومَنْ ضَلَّ فَعَلَيْهَا جنى ، ثم نبَّه تعالى على آية مِنْ آياته الكبرى ، تدِلُّ الناظِرَ على الوحدانيَّةِ ، وأنَّ ذلك لا شِرْكَةَ فيه لِصَنَمٍ ، وهي حالةُ التَّوَفِّي ، وذلكَ أَنَّ ما تَوَفَّاهُ اللَّهُ تعالى على الكَمَالِ . فهو الذي يَمُوتُ ، وما تَوَفَّاهُ تَوفِّياً غَيرَ مُكَمَّلٍ فهو الذي يكونُ في النَّوْم ، قال ابن زيدٍ : النومُ وفاةٌ والموتُ وفاة وكثَّرَ الناسُ في هذه الآية ، وفي الفَرْقِ بَيْنَ النَّفْسِ والرُّوحِ ، وَفَرَقَ قَوْمٌ بَيْنَ نَفْسِ التمييزِ ونفس التخيُّل ؛ إلى غير ذلك مِن الأقوال التي هي غَلَبةُ ظَنٍّ ، وحقيقةُ الأمْرِ في هذا هي مما استأثر اللَّه به وَغَيَّبَهُ عن عِبَادِهِ في قوله : { الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي } [ الإسراء : 85 ] ويكفيكَ أن في هذه الآية { يَتَوَفَّى الأنفس } ، وفي الحديثِ الصحيحِ : " إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أرْوَاحَنَا حِينَ شَاءَ ، وَرَدَّهَا عَلَيْنَا حِينَ شَاءَ " ، وفي حديث بلالٍ في الوَادي ؛ فقد نطقتِ الشريعةُ بقَبْضِ الرُّوحِ والنَّفْس ، وقد قال تعالى : { قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبِّي } والظاهرُ أنَّ الخَوْضَ في هذا كُلِّهِ عَنَاءٌ ، وإنْ كَان قَد تعرَّضَ للقَوْلِ في هذا ونحوه أئمةٌ ، ذَكَرَ الثعلبيُّ عن ابن عباس ؛ أنه قال : «في ابن آدم نَفْسٌ ورُوحٌ بَيْنَهُمَا مِثْلُ شُعَاعِ الشَّمْسِ ، فالنَّفْسُ هِيَ الَّتي بها العَقْلُ والتمييزُ ، والرُّوحُ هي التي بها النَّفَسُ والتَّحَرُّكُ ، فإذا نام العَبْدُ قَبَضَ اللَّهُ تعالى نَفْسَهُ ولم يَقْبِضْ رُوحَه » ، وجاءَ في آداب النَّوم وأذكار النائِم أحاديثُ صحيحةٌ ؛ ينبغي للعبدِ ألاَّ يُخْلِيَ نفسَه مِنها ، وقد روى جابرُ بن عبد اللَّه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال : " إذا أَوَى الرَّجُلُ إلى فِرَاشِهِ ، ابتدره مَلَكٌ وَشَيْطَانٌ ، فيقُولُ المَلَكُ : اختم بِخَيْرٍ ، ويقُولُ الشَّيْطَانُ : اختم بِشَرٍّ ، فَإنْ ذَكَرَ اللَّهَ تعالى ، ثُمَّ نَامَ ؛ بَاتَ المَلَكُ يَكْلَؤُهُ ، فَإنِ استيقظ ؛ قال الملكُ : افتح بِخَيْرٍ ، وَقَالَ الشَّيْطَانُ : افتح بِشَرٍّ ، فإنْ قَالَ : الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي رَدَّ إلَيَّ نَفْسِي ، وَلَمْ يُمِتْهَا في مَنَامِهَا ، الحَمْدُ للَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السماوات وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ ، وَلَئِنْ زَالَتَا إنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إلاَّ بِإذْنِهِ ، إنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ، فإن وَقَعَ مِنْ سَرِيرهِ ، فَمَاتَ ، دَخَلَ الجَنةَ " ، رواه النسائي ، واللفظ له ، والحاكمُ في «المستدرك » وابن حِبَّانَ في «صحيحه » ، وقال الحاكم : صحيحٌ على شرط مُسْلِمٍ ، وزاد آخره : { الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُحْيِي الموتى وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } انتهى من «السِّلاح » . وفيه عن أبي هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مَنْ قَالَ حِينَ يَأوِي إلى فِرَاشِهِ : " لا إله إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ؛ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إله إلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ أَوْ خَطَايَاهُ شَكَّ مِسْعَرٌ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ " . رواه ابن حِبَّان في «صحيحه » ، ورواه النسائي موقوفاً ، انتهى .
وروى الترمذيُّ عن أبي أُمَامَةَ قال : سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ : " مَنْ أوى إلى فِرَاشِهِ طَاهِراً يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ ، لَمْ يَنْقَلِبْ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ يسألُ اللَّهَ شَيْئاً مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاهُ " ، انتهى . والأجَلُ المسمى في هذه الآيةِ : هُوَ عُمْرُ كُلِّ إنْسَانٍ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.