الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَقِيلَ ٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰكُمۡ كَمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَا وَمَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (34)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قال لهم الخزنة في الآخرة: {وقيل اليوم ننساكم}: نترككم في العذاب.

{كما نسيتم لقاء يومكم هذا}: كما تركتم إيمانا بهذا اليوم، يعني البعث.

{ومأواكم النار وما لكم من ناصرين} يعني مانعين من النار...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وقيل لهؤلاء الكفرة الذين وصف صفتهم: اليوم نترككم في عذاب جهنم، كما تركتم العمل للقاء ربكم يومكم هذا...

ومأواكم التي تأوون إليها نار جهنم.

"وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ": وما لكم من مستنقذ ينقذكم اليوم من عذاب الله، ولا منتصر ينتصر لكم ممن يعذّبكم، فيستنقذ لكم منه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا} والإشكال أنهم كيف يُنسون يومئذ؟ لأنهم لو كانوا يُنسون لسلموا من العذاب، لكن ما ذُكر من النسيان يخرّج على وجهين: الثاني: على التمثيل: نُصيّركم في النار كالشيء المنسيّ، لا يُكترث إليكم ولا يُلتفت، ولا يُعبأ بكم، كما صيّرتم أنتم ذلك اليوم كالشيء المنسيّ، لم تكترثوا إليه، ولم تعنوا له، والله أعلم.

{ومأواكم النار وما لكم من ناصرين} جعل الله تعالى النار لهم مأوى، بإزاء كل ما افتخروا به في الدنيا على رسل الله صلى الله عليهم السلام وأتباعهم من المنازل والمراكب والملابس وغير ذلك، وأخبر أنه لا ناصر لهم، يملك إخراجهم من النار والمأوى الذي جعل لهم، ولا يقدر دفع ذلك عنهم، والله أعلم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

إن قلت: فما معنى إضافة اللقاء إلى اليوم؟ قلت: كمعنى إضافة المكر في قوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ الليل والنهار} [سبأ: 33] أي نسيتم لقاء اليوم في يومكم هذا ولقاء جزائه.

جهود القرافي في التفسير 684 هـ :

تركوا طاعته فترك الإحسان إليهم...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

ثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لبعض العبيد يوم القيامة:"ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتَرْبَع؟ فيقول: بلى، يا رب. فيقول: أفظننت أنك مُلاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول الله تعالى: فاليوم أنساك كما نسيتني"...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وقيل} أي لهم على قطع الأحوال وأشدها قولاً لا معقب له، فكأنه بلسان كل قائل {اليوم ننساكم} أي نفعل معكم بالترك من جميع ما يصلحكم فعل- المنسي الذي نقطع عنه جميع إحساننا فيأتيه كل شر.

{كما نسيتم} وأضاف المصدر إلى ظرفه لما فيه من الرشاقة والبلاغة فقال تعالى {لقاء يومكم هذا} أي الذي عملتم في أمره عمل الناسي له، ومن نسي لقاء اليوم نسيء لقاء الكائن فيه بطريق الأولى، وقد عابهم الله سبحانه تعالى بذلك أشد العيب؛ لأن ما عملوه ليس من فعل الحزمة أن يتركوا ما ضرره محتمل لا يعتدون له، وإنما هذا فعل الحمق الذين هم عندهم أسقاط لا- عبرة بهم ولا وزن لهم، وعبر بالنسيان؛ لأن علمه مركوز في طبائعهم، وعبر في فعله بالمضارع ليدل على الاستمرار، وفي فعلهم بالماضي ليدل على أن من وقع منه ذلك وقتاً ما، وإن قل كان على خطر عظيم بتعريض نفسه لاستمرار الإعراض عنه.

ولما كان تركه على هذا الحال يلزم منه استمرار العذاب، صرح به إيضاحاً له لئلا يظن غير ذلك، فقال مبيناً لحالهم: {ومأواكم النار} ليس لكم براح عنها أصلاً؛ لأن أعمالكم أدخلتكموها، ولا يخرج منها إلا من أذنا في إخراجه، نحن قد جعلناكم في عداد المنسي فلا يكون من قبلنا لكم فرج.

{وما لكم} في نفس الأمر سواء أفكرتم وأنتم مكذبون في مدافعة هذا اليوم أو تركتموه ترك المنسي.

{من ناصرين} ينقذونكم من ذلك بشفاعة ولا مقاهرة...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

{وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} فإن الجزاء من جنس العمل.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما أودعوا جهنم وأحاطت بهم نودوا {اليوم ننساكم} إلى آخره تأييساً لهم من العفو عنهم.

وبُني فعل {قيل} للنائب حطّاً لهم عن رتبة أن يصرح باسم الله في حكاية الكلام الذي واجههم به كما أشرنا إليه عند قوله آنفاً {وإذا قيل إن وعد الله حقٌ} [الجاثية: 32] بناء على أن ضمير، {ننساكم} ضمير الجلالة وَليس من قول الملائكة، فإن كان من قول خزنة جهنم ببناءِ فِعل {وقيل} للنائب للعلم بالفاعل.

وأطلق النسيان على الترك المؤبد على سبيل المجاز المرسل؛ لأن النسيان يستلزم ترك الشيء المنسي في محله أو تركه على حالته، ويجوز أن يكون النسيان مستعاراً للإهمال وعدم المبالاة، أي فلا تتعلق الإرادة بالتخفيف عنهم وعلى هذين الاعتبارين يفسر معنى النسيان الثاني.

والكاف في {كما نسيتم لقاء يومكم} للتعليل كما في قوله تعالى: {واذكروه كما هداكم} [البقرة: 198]، أي جزاء نسيانكم هذا اليوم، أي إعراضكم عن الإيمان به.

واللقاء: وجدان شيء شيئاً في مكان، وهو المصادفة يُقال: لقي زيد عمراً، ولقي العصفور حبة. ولقاء اليوم، أطلق اليومُ على ما فيه من الأحداث على سبيل المجاز المرسل؛ لأنه أوجزُ من تعداد الأهوال الحاصلة منذ البعث إلى قضاء الجزاء على الأعمال.

وإضافة يوم إلى ضمير المخاطبين في {يومكم} باعتبار أن ذلك اليوم ظرف لأحوال تتعلق بهم، فإن الإضافة تكون لأدنى ملابسة، ألا ترى أنه أضيف إلى ضمير المؤمنين في قوله تعالى: {وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} [الأنبياء: 103].

ووصف اليوم باسم الإشارة تمييزه أكمل تمييز؛ تكميلاً لتعريفه بالإضافة لئلا يلتبس عليهم بيوم آخر.

وعطف {ومأواكم النار} على {اليوم ننساكم} ليعلموا أن تركهم في النار ترك مؤبد؛ فإن المأوى هو مسكن الشخص الذي يأوي إليه بعد أعماله، فالمعنى أنكم قد أَويْتم إلى النار فأنتم باقون فيها، وتقدم نظير قوله: {وما لكم من ناصرين} قريباً، والمقصود تخطئة زعمهم السابق أن الأصنام تنفعهم في الشدائد.