التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَقِيلَ ٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰكُمۡ كَمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَا وَمَأۡوَىٰكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّـٰصِرِينَ} (34)

لما أودعوا جهنم وأحاطت بهم نودوا { اليوم ننساكم } إلى آخره تأييساً لهم من العفو عنهم .

وبُني فعل { قيل } للنائب حطّاً لهم عن رتبة أن يصرح باسم الله في حكاية الكلام الذي واجههم به كما أشرنا إليه عند قوله آنفاً { وإذا قيل إن وعد الله حقٌ } [ الجاثية : 32 ] بناء على أن ضمير { ننساكم } ضمير الجلالة وَليس من قول الملائكة ، فإن كان من قول خزنة جهنم ببناءِ فِعل { وقيل } للنائب للعلم بالفاعل .

وأطلق النسيان على الترك المؤبد على سبيل المجاز المرسل لأن النسيان يستلزم ترك الشيء المنسي في محله أو تركه على حالته ، ويجوز أن يكون النسيان مستعاراً للإهمال وعدم المبالاة ، أي فلا تتعلق الإرادة بالتخفيف عنهم وعلى هذين الاعتبارين يفسر معنى النسيان الثاني .

والكاف في { كما نسيتم لقاء يومكم } للتعليل كما في قوله تعالى : { واذكروه كما هداكم } [ البقرة : 198 ] ، أي جزاء نسيانكم هذا اليوم ، أي إعراضكم عن الإيمان به .

واللقاء : وجدان شيء شيئاً في مكان ، وهو المصادفة يُقال : لقي زيد عمراً ، ولقي العصفور حبة . ولقاء اليوم ، أطلق اليومُ على ما فيه من الأحداث على سبيل المجاز المرسل لأنه أوجزُ من تعداد الأهوال الحاصلة منذ البعث إلى قضاء الجزاء على الأعمال .

وإضافة يوم إلى ضمير المخاطبين في { يومكم } باعتبار أن ذلك اليوم ظرف لأحوال تتعلق بهم فإن الإضافة تكون لأدنى ملابسة ، ألا ترى أنه أضيف إلى ضمير المؤمنين في قوله تعالى : { وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون } [ الأنبياء : 103 ] .

ووصف اليوم باسم الإشارة تمييزه أكمل تمييز تكميلاً لتعريفه بالإضافة لئلا يلتبس عليهم بيوم آخر .

وعطف { ومأواكم النار } على { اليوم ننساكم } ليعلموا أن تركهم في النار ترك مؤبد فإن المأوى هو مسكن الشخص الذي يأوي إليه بعد أعماله ، فالمعنى أنكم قد أَويْتم إلى النار فأنتم باقون فيها ، وتقدم نظير قوله : { وما لكم من ناصرين } قريباً ، والمقصود تخطئة زعمهم السابق أن الأصنام تنفعهم في الشدائد .