الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{رِّزۡقٗا لِّلۡعِبَادِۖ وَأَحۡيَيۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ كَذَٰلِكَ ٱلۡخُرُوجُ} (11)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

وجعلنا هذا كله {رزقا للعباد}. ثم قال: {وأحيينا به} بالماء {بلدة ميتا} لم يكن عليها نبت فنبتت الأرض، ثم قال: {كذلك الخروج} يقول: وهكذا تخرجون من القبور بالماء، كما أخرجت النبت من الأرض بالماء، فهذا كله من صنيعه ليعرفوا توحيد الرب وقدرته على البعث...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"رِزْقا للْعِبادِ "يقول: أنبتنا بهذا الماء الذي أنزلناه من السماء هذه الجنات، والحبّ والنخل قوتا للعباد، بعضها غذاء، وبعضها فاكهة ومتاعا.

وقوله: "وأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتا" يقول تعالى ذكره وأحيينا بهذا الماء الذي أنزلناه من السماء بلدة ميتا قد أجدبت وقحطت، فلا زرع فيها ولا نبت.

وقوله: "كَذَلكَ الخُرُوجُ" يقول تعالى ذكره: كما أنبتنا بهذا الماء هذه الأرض الميتة، فأحييناها به، فأخرجنا نباتها وزرعها، كذلك نخرجكم يوم القيامة أحياء من قبوركم من بعد بلائكم فيها بما ينزل عليها من الماء.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلدَةً ميتاً كَذِلكَ الخُرُوجُ} جعل هذا كله دليلاً على البعث والنشور من وجهين: أحدهما: أن النشأة الأولى إذا خلقها من غير أصل كانت النشأة الثانية بإعادة ما له أصل أهون. الثاني: أنه لما شوهد من قدرته، إعادة ما مات من زرع ونبات كان إعادة من مات من العباد أولى للتكليف الموجب للجزاء...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

المسألة الأولى: قال في خلق السماء والأرض {تبصرة وذكرى} وفي الثمار قال: {رزقا} والثمار أيضا فيها تبصرة، وفي السماء والأرض أيضا منفعة غير التبصرة والتذكرة، فما الحكمة في اختيار الأمرين؟

نقول فيه وجوه؛

(أحدها) أن نقول: الاستدلال وقع لوجود أمرين، أحدهما الإعادة والثاني البقاء بعد الإعادة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخبرهم بحشر وجمع يكون بعده الثواب الدائم والعقاب الدائم، وأنكروا ذلك، فأما الأول فالله القادر على خلق السموات والأرض قادر على خلق الخلق بعد الفناء، وأما الثاني فلأن البقاء في الدنيا بالرزق، والقادر على إخراج الأرزاق من النجم والشجر، قادر على أن يرزق العبد في الجنة ويبقى، فكأن الأول تبصرة وتذكرة بالخلق، والثاني تذكرة بالبقاء بالرزق، ويدل على هذا الفصل بينهما بقوله {تبصرة وذكرى} حيث ذكر ذلك بعد الآيتين، ثم بدأ بذكر الماء وإنزاله وإنباته النبات.

(ثانيها) أن منفعة الثمار الظاهرة هي الرزق، فذكرها، ومنفعة السماء الظاهرة ليست أمرا عائدا إلى انتفاع العباد لبعدها عن ذهنهم...

(ثالثها) قوله {رزقا} إشارة إلى كونه منعما لكون تكذيبهم في غاية القبح فإنه يكون إشارة للتكذيب بالمنعم وهو أقبح ما يكون.

المسألة الثانية: قال: {تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} فقيد العبد بكونه منيبا وجعل خلقها تبصرة لعباده المخلصين وقال: {رزقا للعباد} مطلقا لأن الرزق حصل لكل أحد، غير أن المنيب يأكل ذاكرا شاكرا للإنعام، وغيره يأكل كما تأكل الأنعام فلم يخصص الرزق بقيد...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{رزقاً للعباد} أي أنبتنا به ذلك لأجل أنه بعض ما جعلناه رزقهم...

. {وأحيينا به} أي الماء بعظمتنا {بلدة} وسمها بالتاء إشارة إلى أنها في غاية الضعف والحاجة إلى الثبات والخلو عنه، وذكر قوله: {ميتاً} للزيادة في تقرير تمكن الحاجة فيها... {كذلك} أي مثل هذا الإخراج العظيم {الخروج} الذي هو لعظمته كأنه مختص بهذا المعنى، وهو بعث الموتى من قبورهم على ما كانوا عليه في الدنيا، لا فرق بين خروج النبات بعد ما تهشم في الأرض وصار تراباً كما كان من بين أصفره وأبيضه- وأحمره وأخضره وأزرقه إلى غير ذلك، وبين إخراج ما تفتت من الموتى كما كانوا في الدنيا...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويلمس القلوب وهو يمتن عليها بالماء والجنات والحب والنخل والطلع: (رزقا للعباد).. رزقا يسوق الله سببه، ويتولى نبته، ويطلع ثمره، للعباد، وهو المولى، وهم لا يقدرون ولا يشكرون!

وهنا ينتهي بموكب الكون كله إلى الهدف الأخير:

(وأحيينا به بلدة ميتا. كذلك الخروج)..

فهي عملية دائمة التكرار فيما حولهم، مألوفة لهم؛ ولكنهم لا ينتبهون إليها ولا يلحظونها قبل الاعتراض والتعجيب.. كذلك الخروج.. على هذه الوتيرة، وبهذه السهولة.. الآن يقولها وقد حشد لها من الإيقاعات الكونية على القلب البشري ذلك الحشد الطويل الجميل المؤثر الموحي لكل قلب منيب.. وكذلك يعالج القلوب خالق القلوب..