إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{رِّزۡقٗا لِّلۡعِبَادِۖ وَأَحۡيَيۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ كَذَٰلِكَ ٱلۡخُرُوجُ} (11)

وقولُه تعالىَ : { رِزْقاً للعِبَادِ } أيْ لنرزقَهُم ، علةٌ لقولِه تعالَى فأنبتنا وفي تعليلهِ بذلكَ بعدَ تعليلِ أنبتنَا الأولِ بالتبصرةِ والتذكيرِ تنبيهٌ على أنَّ الواجبَ على العبدِ أنْ يكونَ انتفاعُهُ بذلكَ من حيثُ التذكرُ والاستبصارُ أهمَّ وأقدمَ من تمتعِه بهِ منْ حيثُ الرزقُ ، وقيلَ رزقاً مصدرٌ منْ مَعْنى أنبتنَا لأنَّ الإنباتَ رزقٌ { وَأَحْيَيْنَا بِهِ } أيْ بذلكَ الماءِ { بَلْدَةً ميتاً } أرضاً جدبةً لا نماءَ فيَها أَصْلاً بأنْ جعلناهَا بحيثُ ربتْ وأنبتتْ أنواعَ النباتِ والأزهارِ فصارتْ تهتزُ بَها بعدَ ما كانتْ جامدةً هامدةً ، وتذكيرُ ميتاً لأنَّ البلدةَ بمعنى البلدِ والمكانِ { كذلك الخروج } جملةٌ قدمَ فيهَا الخبرُ للقصدِ إلى القصرِ وذلكَ إشارةٌ إلى الحياةِ المستفادةِ من الأحياءِ وما فيهِ من مَعْنى البعدِ للإشعارِ ببعدِ رتبتِها أيْ مثلَ تلكَ الحياةِ البديعةِ حياتُكم بالبعثِ منَ القبورِ لا شيءَ مخالفٌ لَها ، وفي التعبيرِ عنْ إخراجِ النباتِ منَ الأرضِ بالإحياءِ وعنْ حياةِ المَوْتى بالخروجِ تفخيمٌ لشأنِ الإنباتِ وتهوينٌ لأمرِ البعثِ وتحقيقٌ للمماثلةِ بينَ إخراجِ النباتِ وإحياءِ المَوْتى لتوضيحِ منهاجِ القياسِ وتقريبهِ إلى أفهامِ الناسِ .