قوله : «رزْقاً » يجوز أن يكون حالاً أي مرزوقاً للعباد أي ذا رزق ، وإن يكون مصدراً من معنى أنْبَتْنَا ؛ لأن إنبات هذه رزق فكأنه قال : أنبتناها إنباتاً للعباد{[52324]} ويجوز أن تكون مفعولاً له{[52325]} للعباد ، إمّا صفة ، وإما متعلق بالمصدر ، وإِما مفعولاً للمصدر ، واللام زائدة ، أي رِزْقاً العبادَ .
قال ابن الخطيب : ما الحكمة في قوله عند خلق السماء والأرض : «تَبْصِرَةً وذِكْرَى » وفي الثمار قال : «رِزْقاً » والثمار أيضاً فيها تبصرة وفي السماء والأرض أيضاً منفعة غير التبصرة والتذكرة ؟
أحدها : أن الاستدلال وقع لوجود أمرين : أحدهما الإعادة ، والثاني : البقاء بعد الإعادة ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم {[52326]}- كان يخبرهم بحشر وجمع يكون بعده الثواب الدائم ، والعقاب الدائم ، وأنكروا ذلك ، فقال أما الأوّل فالله القادر على خلق السماوات والأرض قادر على خلق الخلق بعد الفناء ، وأما الثاني فلأن البقاء في الدنيا بالرزق والقادر على إخراج الأرزاق من النّخل{[52327]} والشجر قادر على أن يرزق بعد الحشر فكان الأوَّل تبصرةً وتذكرةً بالخلق ، والثاني تذكرة بالبقاء بالرزق ، ويدل على هذا الفصل بينهما بقوله تعالى : { تبصرة وذكرى } حيث ذكر ذلك بعد الآيتين ، ثم بدأ بذكر الماء وإنزاله وإنبات النبات .
ثانيها : منفعة الثمار الظاهرة وهي الرزق فذكرها ، ومنفعة السماء الظاهرة ليست أمراً عائداً إلى انتفاع العباد لبعدها عن ذهنهم حتى أنهم لو توهموا عدم الزرع والثمر لظنوا أن يهلكوا ولو توهموا عدم السماء فوقهم لقالوا : لا يضرنا ذلك مع أن الأمر بالعكس أولى لأنّ السماء سبب الأرْزاق بقدرة الله تعالى ، وفيها منافع غير ذلك والثمار وإن لم تكن كان{[52328]} العيش كما أنزل الله على قوم المنَّ والسلوى ، وعلى قوم المائدة من السماء فذكر الأظهر للناس في هذا المواضع .
ثالثها : قوله : رزْقاً إشارة إلى كونه منعماً ليكون تكذيبهم في غاية القبح فإنه يكون إشارة بالمنعم وهو أقبح ما يكون .
قال : { تبصرة وذكرى لكل عبد منيب } فقيّد العبد بكونه منيباً ، لأنّ العبودية حصلت لكل أحد غير أن المنيب يأكل ذاكراً شاكراً للإنعام وغيره يأكل كما تأكل الأنْعام ، فلم يخصص بقيدٍ{[52329]} .
قوله : «فَأَحْيَيْنَا بِهِ » أي بالماء و«مَيْتاً » صفة ل «بَلْدَةً » ولم يؤنث{[52330]} حملاً على معنى المكان{[52331]} . والعامة على التخفيف . وأبو جعفر وخالد بالتَّثْقِيلِ{[52332]} .
فإن قيل : ما الفرق بين هذا الموضع وبين قوله : { وَآيَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة } حيث أثبت ( الهاء ) {[52333]} هناك ؟
فالجواب : أن الأصل في الأرض الوصف فقال الميتة ، لأن معنى الفاعلية ظاهرٌ هناك والبلدة الأصل فيها الحياة لأن الأرض إذا صارت حية صارت آهلة وأقام بها القوم وعَمَرُوهَا فصارت بلدة فأسقط الهاء لأن معنى{[52334]} الفاعلية ظاهر فيثبت{[52335]} فيه الهاء ، وإذا كان بمعنى الفاعل لم يظهر لا يثبت فيه الهاء ، ويحقق{[52336]} هذا قوله : { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ } [ سبأ : 15 ] حيث أثبت الهاء حيث ظهر معنى الفاعلية ولم يثبت حيث لم يظهر{[52337]} .
قوله : «كَذَلِكَ الْخُرُوجُ » أي من القبور أي كالإحياء الخروج .
فإن قيل : الإحياء يشبه به الإخراج لا الخروج ؟
فالجواب : تقديره أحيينا به بلدةً ميْتاً فتشققت وخرج منها النبات كذلك تَتَشققُ ويخرج منها الأموات .
قال ابن الخطيب : وهذا يؤكد قولنا : إن الرَّجْعَ بمعنى الرجوع في قوله : { ذلك رجع بعيد } ؛ لأنه تعالى بين لهم ما استبعدوه فلو استبعدوا الرجع الذي هو من المتعدي لناسبهُ أن يقول : كذلك الإخراج فلما قال : كذلك الخروج فهم أنهم أنكروا الرجوع فقال : كذلك الرجوع والخروج{[52338]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.