الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{وَقَالَتۡ أُولَىٰهُمۡ لِأُخۡرَىٰهُمۡ فَمَا كَانَ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلٖ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ} (39)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول جلّ ثناؤه: وقالت أولى كلّ أمة وملة سبقت في الدنيا لأخراها الذين جاءوا من بعدهم وحدثوا بعد زمانهم فيها، فسلكوا سبيلهم واستنوا سنتهم:"فَمَا كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ" وقد علمتم ما حلّ بنا من عقوبة الله بمعصيتنا إياه وكفرنا به، وجاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل والنّذر، هل انتهيتم إلى طاعة الله، وارتدعتم عن غوايتكم وضلالتكم؟ فانقضت حجة القوم وخصموا ولم يطيقوا جوابا بأن يقولوا فُضّلنا عليكم أنا اعتبرنا بكم فآمنا بالله وصدّقنا رسله، قال الله لجميعهم: فذوقوا جميعكم أيها الكفرة عذاب جهنم، بما كنتم في الدنيا تكسبون من الآثام والمعاصي، وتجترحون من الذنوب والأجرام...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{قالت أخراهم لأولاهم} معناه قالت الأمة الأخيرة التي وجدت ضلالات مقررة وسنناً كاذبة مستعملة للأولى التي شرعت ذلك وافترت على الله وسلكت سبيل الضلال ابتداء، ربنا هؤلاء طرقوا طرق الضلال وسببوا ضلالنا فآتهم عذاباً مضاعفاً أي ثانياً زائداً على عذابنا إذ هم كافرون ومسببون كفرنا وتقول ضاعفت كذا إذا جعلته مثل الأول ...

... وأما المعنى الذي دعوا فيه فظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه حاصل وأن كل من سن كفراً أو معصية فعليه كفل من جهة كل من عمل بذلك بعده، ومنه حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «ما من داع دعا إلى ضلالة إلا كان عليه وزره ووزر من اتبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً»

.. ومنه قوله «ما تقتل نسمة ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها»

.. وقوله عز وجل: {وقالت أولاهم لأخراهم} الآية، المعنى وقالت الأمة الأولى المبتدعة للأمة الأخيرة المتبعة أنتم لا فضل لكم علينا ولم تزدجروا حين جاءتكم النذر والرسل، بل دمتم في كفركم وتركتم النظر واستوت حالنا وحالكم فذوقوا العذاب باجترامكم..

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن المقصود من هذا الكلام التخويف والزجر، لأنه تعالى لما أخبر عن الرؤساء والأتباع أن بعضهم يتبرأ عن بعض، ويلعن بعضهم بعضا، كان ذلك سببا لوقوع الخوف الشديد في القلب...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

والذي يظهر أنّ المعنى انتفاء كون فضل عليهم من السّفلة في الدّنيا بسبب اتباعهم إياهم وموافقتهم لهم في الكفر أي اتباعكم إيانا وعدم اتباعكم سواء لأنكم كنتم في الدّنيا أقل عندنا من أن يكون لكم علينا فضل باتباعكم بل كفرتم اختياراً لا أنّا حملناكم على ذلك إجباراً وأنّ قوله {فما} معطوف على جملة محذوفة بعد القول دلّ عليها ما سبق من الكلام والتقدير {قالت أولاهم لأخراهم} ما دعاؤكم الله بأنّا أضللناكم وسؤالكم ما سألتم فما كان لكم علينا من فضل بضلالكم وأن قوله {فذوقوا العذاب} من كلام الأولى خطاباً للأخرى على سبيل التشفي منهم وأنّ ذوق العذاب هو بما كسبت من الآثام لا بسبب دعواكم أنا أضللناكم.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

هذا الجواب مبني على ما قبله من قول أخراهم أو من جواب الرب تعالى لهم. والمعنى على الأول: إذا كان الأمر كما ذكرتم من أننا نحن أضللناكم فما كان لكم علينا بهذا أدنى فضل تطلبون به أن يكون عذابكم دون عذابنا والذنب واحد، وقد اعترفتم بتلبسكم بالضلال المقتضي له، فذوقوا العذاب بكسبكم له مهما يكن سببه. وفي سورة الصافات: {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين فحق علينا قول ربنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون} (الصافات 27- 32).

وأما المعنى على الوجه الثاني فأن يقال: إذا كان الرب قد جعل لكل منا أو منا ومنكم ضعفا من العذاب فليس لكم فضل يخفف له عنكم ما أوجبه عليكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون من الكفر والمعاصي مثلنا فنحن لم نكن بمكرهين لكم على ذلك بل فعلتموه باختياركم، وإنما كان يكون لكم الفضل علينا لو اهتديتم باتباع الرسل وتركتمونا في ضلالنا وغوايتنا، ولا ينفعكم مضاعفة العذاب لنا إذا لم يخفف عنكم عذابكم فإن كلا منا لا يشعر إلا بعذاب نفسه. كما قال تعالى في مثل هذا المقام في سورة الزخرف: {ولن ينفعكم اليوم إذا ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون} (الزخرف 39).

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وفيما قصّ الله من محاورة قادة الأمم وأتباعهم ما فيه موعظة وتحذير لقادة المسلمين من الإيقاع بأتباعهم فيما يَزِجّ بهم في الضّلالة، ويحسِّن لهم هواهم، وموعظة لعامتهم من الاسترسال في تأييد من يشايع هواهم، ولا يبلغهم النّصيحة، وفي الحديث: « كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته».