البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَالَتۡ أُولَىٰهُمۡ لِأُخۡرَىٰهُمۡ فَمَا كَانَ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلٖ فَذُوقُواْ ٱلۡعَذَابَ بِمَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ} (39)

{ وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون } .

أي قالت الطائفة المتبوعة للطائفة المتبعة واللام في { لأخراهم } لام التبليغ نحو قلت لك اصنع كذا لأن الخطاب هو مع أخراهم بخلاف اللام أي في { لأولاهم } فإنها كما وقال مجاهد : معنى { من فضل } من التخفيف لما قال الله { لكل ضعف } قالت الأولى للأخرى لم تبلغوا أملاً بأنّ عذابكم أخفّ من عذابنا ولا فضلتم بالإسعاف انتهى ، والفاء في { فما } قال الزمخشري : عطفوا هذا الكلام على قول الله تعالى للسّلفة { لكلّ ضعف } والذي يظهر أنّ المعنى انتفاء كون فضل عليهم من السّفلة في الدّنيا بسبب اتباعهم إياهم وموافقتهم لهم في الكفر أي اتباعكم إيانا وعدم اتباعكم سواء لأنكم كنتم في الدّنيا أقل عندنا من أن يكون لكم علينا فضل باتباعكم بل كفرتم اختياراً لا إنّا حملناكم على ذلك إجباراً وأنّ قوله { فما } معطوف على جملة محذوفة بعد القول دلّ عليها ما سبق من الكلام والتقدير { قالت أولاهم لأخراهم } ما دعاؤكم الله بأنّا أضللناكم وسؤالكم ما سألتم فما كان لكم علينا من فضل بضلالكم وأن قوله { فذوقوا العذاب } من كلام الأولى خطاباً للأخرى على سبيل التشفي منهم وأنّ ذوق العذاب هو بما كسبت من الآثام لا بسبب دعواكم أنا أضللناكم ، وقيل : { فذوقوا } من خطاب الله لجميعهم .