الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوۡاْ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِمۡ وَقَالُواْ يَٰصَٰلِحُ ٱئۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (77)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

فعقرت ثمود الناقة التي جعلها الله لهم آية. "وَعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبّهِمْ "يقول: تكبروا وتجبروا عن اتباع الله، واستعلَوْا عن الحقّ...

وهو من قولهم: جبار عات: إذا كان عاليا في تجبره." وَقالُوا يا صَالِحُ ائْتِنا بِمَا تَعِدُنا" يقول: قالوا: جئنا يا صالح بما تعدنا من عذاب الله ونقمته، استعجالاً منهم للعذاب. "إنْ كُنْتَ مِنَ المُرْسَلِينَ" يقول: إن كنت لله رسولاً إلينا، فإن الله ينصر رسله على أعدائه. فعجل ذلك لهم كما استعجلوه، يقول جلّ ثناؤه:"فَأخَذَتْهُمُ الرّجْفَةُ فَأصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ"...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فعقروا الناقة} أضاف ههنا العقر إليهم جميعا. وفي مواضع 210أخر أضاف إلى الواحد بقوله تعالى: {فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر} [القمر: 29] وفي سورة {والشمس وضحاها} كذلك أضاف إلى الواحد [بقوله تعالى]: {إذ انبعث أشقاها} [الآية: 12]. لكن في ما كان مضافا إليهم جميعا يحتمل أن يتولّى واحد منهم عقرها بمشورتهم جميعا ومعونتهم وتدبيرهم وتراضيهم على ذلك، فأضيف على ذلك إليهم لذلك لاجتماعهم على ذلك، وإلى الواحد في ما تولّى جرحها ومنعها عن السير. ففيه دلالة لمذهب أصحابنا: أن قطّاع الطريق، إذا تولّى بعضهم القتل وأخذ الأموال، ولم يتولّ بعضهم، يشاركون جميعا: من تولّى منهم ومن لم يتول في حكم قطّاع الطريق بعد أن يكون بعضهم عونا لبعض. وكذلك إذا اجتمع قوم على قتل واحد، فتولّى بعضهم القتل، ولم يتولّ بعض، بعد أن كانوا في عون أولئك، فإنهم يقتلون جميعا... فدل أنه على العون والنصر لبعضهم بعضا، فيشاركون جميعا في القصاص على ما شارك أولئك جميعا في العذاب: من تولى عقرها ومن لم يتول، بعد أن كان ذلك العقر بمعونتهم وبتراضيهم على ذلك، والله أعلم...

وقوله تعالى: {وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين} {فأخذتهم الرجفة} إنما أخذهم العذاب لما استعجلوا منه العذاب، وكذّبوه في ما يوعدهم العذاب، ويعدهم...

وقوله تعالى: {وعتوا عن أمر ربهم} العتوّ هو النهاية في التمرد والخلاف لأمر على العلم منهم بالخلاف لا على الغفلة والجهل...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والعقر: الجرح الذي يأتي على أصل النفس، وهو من عقر الحوض وهو أصله. وقوله "وعتوا عن أمر ربهم "أي تجاوزوا الحد في الفساد. وقيل: العتو: الغلو في الباطل، والعتو عن الأمر هو المخالفة، إلا أن في العتو مخالفة على وجه التهاون به والاستكبار عن قبوله. وقوله "بما تعدنا" فالوعد: الخبر بخير أو شر بقرينة في الشر. وقوله "إئتنا بما تعدنا" أي من الشر، لأنا قد علمنا ما توعدتنا عليه، فأت الآن بالعذاب الذي خوفتنا منه، ومتى تجرد عن قرينة، فهو بالخير أحق للفصل بين الوعد والوعيد.

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

{فعقروا الناقة}، قال الأزهري: العقر هو قطع عرقوب البعير، ثم جعل النحر عقراً لأن ناحر البعير يعقره ثم ينحره...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

وأمر ربهم: ما أمر به على لسان صالح عليه السلام من قوله: {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله} [الأعراف: 73] أو شأن ربهم وهو دينه. ويجوز أن يكون المعنى: وصدر عتوّهم عن أمر ربهم، كأن أمر ربهم بتركها كان هو السبب في عتوّهم. ونحو عن هذه ما في قوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى} [الكهف: 82]،... {ائتنا بِمَا تَعِدُنَا} أرادوا من العذاب. وإنما جاز الإطلاق لأنه كان معلوماً. واستعجالهم له لتكذيبهم به، ولذلك علقوه بما هم به كافرون، وهو كونه من المرسلين...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فعقروا الناقة} وعبر بالعقر دون النحر لشموله كل سبب لقتلها... فأطلق اسم السبب على المسبب... وأكثر ما يستعمل العقر في الفساد، وأما النحر فيستعمل غالباً في الانتفاع بالمنحور لحماً وجلداً وغيرهما، فلعل التعبير به دون النحر إشارة إلى أنهم لم يقصدوا بنحرها إلا إهلاكها عتواً على الله وعناداً وفعلاً للسوء مخالفة لنهي صالح عليه السلام، ولا يشكل ذلك بما ورد من أنهم اقتسموا لحمها، لأنه لم يدع أن العقر يلزمه عدم الانتفاع بالمنحور، وعلى التنزل فهم لم يريدوا بذلك الانتفاع باللحم، وإنما قصدوا- حيث لم يمكنهم المشاركة جميعاً في العقر -أن يشتركوا فيما نشأ عنه تعريضاً برضاهم به ومشاركتهم فيه بما يمكنهم.

قالوا: {بما تعدنا} استخفافاً منهم ومبالغة في التكذيب، كأنهم يقولون: نحن على القطع بأنك لا تقدر على أن تأتينا بشيء من ذلك، وإن كنت صادقاً فافعل ولا تؤخره رفقاً بنا وشفقة علينا، فإنا لا نتأذى بذلك، بل نتلذذ به تلذذ من يلقى الوعد الحسن، وحاصله التهكم منهم به والإشارة إلى عدم قدرته؛ وأكدوا ذلك بقولهم بأداة الشك: {إن كنت من المرسلين} أي الذين سمعنا أخبارهم فيما مضى.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

في حديث البخاري مرفوعا "فانتدب لها رجل ذو عز ومنعة في قومه كأبي زمعة "228 ومثل هذا من أعمال الأمم ينسب إليها في جملتها كما أنها تعاقب عليه في جملتها ولو بقي الصالحون فيها لأصابهم العذاب {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب} (الأنفال 25)... والعتو في اللغة التمرد والامتناع، ويكون عن ضعف وعجز ومنه عتا الشيخ وبلغ من الكبر عتيا: إذا أسن فامتنع من المواتاة على ما يراد منه وعن قوة وعتو كوصف الريح الشديدة بالعاتية، ومنه عتو الجبارين والمستكبرين، وتوصف النخلة العالية بالعاتية لامتناعها على من يريد جناها إلا بمشقة التسلق والصعود. روى أحمد والحاكم بإسناد حسنه الحافظ ابن حجر عن جابر قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: "لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح وكانت الناقة ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم، وكانت تشرب يوما ويشربون لبنها يوما، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله وهو أبو رغال فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه"...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

..وأتبعوا القول بالعمل، فاعتدوا على ناقة الله التي جاءتهم آية من عنده على صدق نبيه في دعواه؛ والتي حذرهم نبيهم أن يمسوها بسوء فيأخذهم عذاب أليم: (فعقروا الناقة، وعتوا عن أمر ربهم؛ وقالوا: يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين) إنه التبجح الذي يصاحب المعصية. ويعبر عن عصيانهم بقوله: (عتوا) لإبراز سمة التبجح فيها، وليصور الشعور النفسي المصاحب لها. والذي يعبر عنه كذلك ذلك التحدي باستعجال العذاب والاستهتار بالنذير...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

..الفاء للتّعقيب لِحكاية قول الذين استكبروا: {إنّا بالذي آمنتم به كافرون} [الأعراف: 76]، أي قالوا ذلك فعقروا، والتّعقيب في كلّ شيء بحسبه، وذلك أنّهم حينَ قالوا ذلك كانوا قد صدعوا بالتّكذيب، وصمّموا عليه، وعجزوا عن المحاجة والاستدلال، فعزموا على المصير إلى النّكاية والإغاظة لصالح عليه السّلام ومن آمنَ به، ورسموا لابتداء عملهم أن يعتدوا على النّاقة التي جعلها صالح عليه السّلام لهم، وأقامها بينَه وبينهم علامة موادعة ما داموا غير متعرّضين لها بسوء، ومقصدهم من نيّتهم إهلاك النّاقة أن يزيلوا آية صالح عليه السّلام لئلا يزيد عدد المؤمنِين به، لأنّ مشاهدة آية نبوءته سالمة بينهم تثير في نفوس كثير منهم الاستدلال على صدقه والاستئناس لذلك بسكوت كبرائهم وتقريرهم لها على مرعاها وشِربها، ولأنّ في اعتدائهم عليها إيذاناً منهم بتحفزهم للإضرار بصالح عليه السّلام وبمن آمن به بعدَ ذلك وليُرُوا صالحاً عليه السّلام أنّهم مستخفّون بوعيده إذ قال لهم: {ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} [الأعراف: 73]...

وأمرُ ربّهم هو ما أمرهم به على لسان صالح عليه السّلام من قوله: {ولا تمسوها بسوء} [الأعراف: 73] فعُبّر عن النّهي بالأمر لأنّ النّهي عن الشّيء مقصود منه الأمر بفعل ضدّه، ولذلك يقول علماء الأصول إنّ النّهي عن الشّيء يستلزم الأمرَ بضدّه الذي يحصل به تحقّق الكفّ عن المنهي عنه...

وقد فرضوا كونَه من المرسلين بحرف (إنْ) الدّال على الشكّ في حصول الشّرط، أي إن كنتَ من الرّسل عن الله فالمراد بالمرسلين من صَدق عليهم هذا اللّقب. وهؤلاء لجهلهم بحقيقة تصرّف الله تعالى وحكمته، يحسبون أنّ تصرّفات الله كتصرّفات الخلق، فإذا أرسل رسولاً ولم يصدّقْه المرسَل إليهم غَضِب الله واندَفع إلى إنزال العقاب إليهم، ولا يعلمون أنّ الله يُمهل الظّالمين ثمّ يأخذهم متى شاء...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

.. تحدى هؤلاء صالحا، وتحدوا معه ربهم، أمرهم بالحفاظ على الناقة لأنها ناقة الله، فشرفها بالنسبة إليه سبحانه، وأمرهم بأن يجعلوا لها شربا ولهم شرب معلوم، وأن يتركوها تأكل في أرض الله، فعقروها، أي ضربوا قوائمها وذبحوها وتحدوا نبي الله أن يأتيهم بالإنذار، إن كان من المرسلين، وعتوا: أي استكبروا بذلك التحدي.