المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمۡ يَغۡفِرُونَ} (37)

37- والذين يبتعدون عن ارتكاب كبائر ما نهى الله عنه ، وكل ما زاد قبحه من الذنوب ، وإذا ما استفزوا بالإساءة إليهم في دنياهم ، هم - وحدهم - يبادرون بالصفح حتى كان ذلك علاجاً نافعاً .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمۡ يَغۡفِرُونَ} (37)

أُتبع الموصول السابق بموصولات معطوففٍ بعضُها على بعض كما تعطف الصفات للموصوف الواحد ، فكذلك عطف هذه الصلات وموصولاتها أصحابها متحدون وهم الذين آمنوا بالله وحده وقد تقدم نظيره عند قوله تعالى : { الذين يؤمنون بالغيب } [ البقرة : 3 ] ثم قوله : { والذين يؤمنون بما أنزل إليك } الآية في سورة البقرة ( 4 ) .

والمقصود من ذلك : هو الاهتمام بالصلات فيكرر الاسم الموصول لتكون صلتُه معتنى بها حتى كأنَّ صاحبها المتّحد منزَّلٌ منزلة ذوات . فالمقصود : ما عند الله خير وأبقى للمؤمنين الذين هذه صفاتهم ، أي أتْبَعوا إيمانهم بها . وهذه صفات للمؤمنين باختلاف الأحوال العارضة لهم فهي صفات متداخلة قد تجتمع في المؤمن الواحد إذا وُجدت أسبابها وقد لا تجتمع إذا لم توجد بعض أسبابها مثل { وأمرُهم شورى بينهم } ( 38 ) .

وقرأ الجمهور { كبائر } بصيغة الجمع . وقرأه حمزة والكسائي وخلَف { كَبِير } بالإفراد ، فكبائر الإثم : الفعلات الكبيرة من جنس الإثم وهي الآثام العظيمة التي نهى الشرع عنها نهياً جازماً ، وتوعد فاعلَها بعقاب الآخرة مثل القذف والاعتداء والبغي . وعلى قراءة { كبيرة الإثم } مراد به معنى كبائر الإثم لأن المفرد لما أضيف إلى معرَّف بلام الجنس من إضافة الصفةِ إلى الموصوف كان له حكم ما أضيف هو إليه .

و { الفواحش } : جمع فاحشة ، وهي : الفعلة الموصوفة بالشناعة والتي شدد الدِّين في النهي عنها وتوعّد عليها بالعذاب أو وضعَ لها عقوبات في الدنيا للذي يُظهر عليه من فاعليها . وهذه مثل قتل النفس ، والزنا ، والسرقة ، والحرابة . وتقدّم عند قوله : { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا } في سورة الأعراف ( 28 ) .

وكبائر الإثم والفواحش قد تدعو إليها القوة الشاهية . ولما كان كثير من كبائر الإثم والفواحش متسبباً على القوة الغضبية مثل القتل والجراح والشتم والضرب أعقب الثناء على الذين يجتنبونها ، فذكر أن من شيمتهم المغفرة عند الغضب ، أي إمساك أنفسهم عن الاندفاع مع داعية الغضب فلا يغول الغضب أحلامهم .

وجيء بكلمة { إذَا } المضمنة معنى الشرط والدالّة على تحقق الشرط ، لأن الغضب طبيعة نفسية لا تكاد تخلو عنه نفس أحد على تفاوت . وجملة { وإذا ما غضبوا هم يغفرون } عطف على جملة الصلة .

وقدم المسند إليه على الخبر الفعلي في جملة { هم يغفرون } لإفادة التقوّي .

وتقييد المسند ب { إذا } المفيدة معنى الشرط للدّلالة على تكرر الغفران كلما غضبوا .

والمقصود من هذا معاملة المسلمين بعضِهم مع بعض فلا يعارضه قوله الآتي { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } [ الشورى : 39 ] لأن ذلك في معاملتهم مع أعداء دينهم .