الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمۡ يَغۡفِرُونَ} (37)

وقرأ الجمهور : { كبائر } على الجمع ؛ قال الحسن : هي كُلُّ ما تُوُعِّدَ فيه بالنار ، وقد تقدَّم ما ذَكَرَهُ الناس في الكبائر في سورة النساء وغيرها ، { والفواحش } : قال السُّدِّيُّ : الزنا ، وقال مقاتل : مُوجِبَاتُ الحدود .

وقوله تعالى : { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } حَضٌّ على كسر الغضب والتدرُّب في إطفائه ؛ إذ هو جمرةٌ من جَهَنَّمَ ، وبَابٌ مِنْ أبوابها ، وقال رجلٌ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : " أوْصِنِي ، قَالَ : لاَ تَغْضَبْ ، قَالَ : زِدْني ، قَال : لاَ تَغْضَبْ ، قَالَ : زِدنِي ، قَالَ : لاَ تَغْضَبْ " ، ومَنْ جاهد هذا العَارِضَ مِنْ نَفْسِهِ حتى غَلَبَهُ ، فقدْ كُفِيَ هَمًّا عظيماً في دنياه وآخرته .

( ت ) : " وروى مالكٌ في «المُوَطَّأ » أَنَّ رجُلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَعِيشُ بِهِنَّ وَلاَ تُكْثِرْ عَلَيَّ فأنسى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «لاَ تَغْضَبْ » " قال أبو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ : أراد : عَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي بكلماتٍ قليلةٍ ؛ لئلاَّ أنسى إنْ أكْثَرْتَ عَلَيَّ ، ثم أسند أبو عُمَرَ من طُرُقٍ عن الأحنفِ بن قَيْسٍ عن عَمِّه جَارِيَةَ بْنِ قُدَامَةَ ، أَنَّه قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قُلْ لي قَوْلاً يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ ، وأَقْلِلْ لِي ؛ لَعَلِّي أَعْقِلُهُ ، قَال : " لاَ تَغْضَبْ ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِراراً ، كُلُّها يُرَجِّعُ إليه رسُولُ اللَّه : لاَ تَغْضَبْ " ، انتهى . من «التمهيد » . وأسند أبو عُمَرَ في «التمهيد » أيضاً عن عبد اللَّه بن أبي الهُذَيْلِ قال : لما رأى يحيى أَنَّ عيسى مُفَارِقُهُ قال له : أَوْصِنِي ، قَالَ : لا تَغْضَبْ ، قال : لاَ أَسْتَطِيعُ ، قال : لا تَقْتَنِ مَالاً ، قال عَسَى . انتهى .

وروى ابن المبارك في «رقائقه » بسنده عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ كَفَّ لِسَانَهُ عَنْ أَعْرَاضِ المُسْلِمِينَ أقال اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ عَنْهُمْ ، وَقَاهُ اللَّهُ عَذَابَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ، قال ابن المُبَارَكِ : وأخبرنا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ ، عن خالدِ بْنِ مَعْدَانَ قال : إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتعالى يَقُولُ : " مَنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي ، وَمَنْ ذَكَرَنِي في مَلإَ ذَكَرْتُهُ في مَلإَ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَمَنْ ذَكَرَنِي حِينَ يَغْضَبُ ذَكَرْتُهُ حِينَ أَغْضَبُ فَلَمْ أَمْحَقْهُ فِيمَنْ أَمْحَقُ " انتهى .