السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمۡ يَغۡفِرُونَ} (37)

الصفة الثانية قوله عز وجل : { والذين يجتنبون } أي : يكلفون أنفسهم أن يجانبوا { كبائر الإثم } أي : جنس الفعال الكبائر التي لا توجد إلا في ضمن أفرادها ويحصل بها دنس النفس فيوجب عقابها مع الجسم وعطف على كبائر قوله تعالى : { والفواحش } وهي ما أنكره الشرع والعقل والطبع ، والكبائر كل ذنب تعظم عقوبته كالقتل والزنا والسرقة والفواحش ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال ، وقال مقاتل : ما يوجب الحد وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة النساء ، وقرأ حمزة والكسائي : بكسر الباء الموحدة قبل الياء الساكنة وهي للجنس فهي بمعنى قراءة الجمع ، كما قرأ الباقون بفتح الموحدة وألف بعدها وبعد الألف همزة مكسورة والأولى أبلغ لشمولها المفردة .

الصفة الثالثة : قوله تبارك وتعالى : { وإذا ما غضبوا } أي : غضباً هو على حقيقته من أمر مغضب في العادة وبين بضمير الفصل أن بواطنهم في غفرهم كظواهرهم فقال تعالى : { هم يغفرون } أي : هم الأخصاء والأحقاء بأنهم كلما تجدد لهم غضب جددوا غفراً أي : محواً للذنوب عيناً وأثراً مع القدرة على الانتقام فسجاياهم تقتضي الصفح دون الانتقام ما لم يكن من الظالم بغي لأنه لا يؤاخذ على مجرد الغضب إلا متكبر والتكبر لا يصلح لغير الإله ، وفي الصحيح : «أنه صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله تعالى » . وروى ابن حاتم عن إبراهيم النخعي قال : «كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا وكانوا إذا قدروا غفروا » .