الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمۡ يَغۡفِرُونَ} (37)

قوله : { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ } : نَسَقٌ على " الذين " الأولى . وقال أبو البقاء : " الذين يَجْتَنبون في موضعِ جرّ بدلاً مِنْ " للذين آمنوا " . ويجوزُ أَنْ يكونَ في موضع نصبٍ بإضمار أعني ، أو في موضع رفعٍ على تقدير : هم " . وهذا وهمٌ منه في التلاوةِ كأنه اعتقد أنَّ القرآن { وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ، وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ } فبنى عليه ثلاثةَ الأوجهِ بناءً فاسداً .

قوله : " كبائرَ " قرأ الأخوان هنا وفي النجم " كبيرَ الإِثم " بالإِفراد . والباقون " كبائرَ " بالجمع في السورتَيْن . والمفردُ هنا في معنى الجمع ، والرسمُ يحتمل القراءتَيْن .

قوله : { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ } هذه " إذا " منصوبةٌ ب " يَغْفِرُون " ، و " يَغْفِرُون " خبرٌ ل " هم " ، والجملةُ بأَسْرِها عطفٌ على الصلة ، وهي " يَجْتَنِبون " والتقدير : والذين يَجْتَنِبون وهم يَغْفِرون ، عَطَفَ اسميةً على فعليةٍ . ويجوزُ أَنْ يكون " هم " توكيداً للفاعل في قوله : " غَضِبوا " ، وعلى هذا فيَغْفِرون جوابُ الشرطِ . وقال أبو البقاء : " هم مبتدأٌ ويَغْفِرون الخبرُ ، والجملةُ جوابُ إذا " وهذا غيرُ صحيحٍ ؛ لأنَّه لو كان جواباً ل " إذا " لاقترن بالفاء . تقول : " إذا جاء زيدٌ فعمروٌ منطلق " ولا يجوز : " عمروٌ ينطلق " وقيل : " هم " مرفوع بفعلٍ مقدرٍ يُفَسِّره " يَغْفِرون " بعده ، ولَمَّا حُذِفَ الفعلُ انفصلَ الضميرُ ولم يَسْتَبْعِدْه الشيخُ . وقال : " ينبغي أَنْ يجوزَ ذلك في مذهبِ سيبويه ؛ لأنه أجازَه في الأداةِ الجازمةِ ، تقول : " إنْ يَنْطَلِقْ ، زيدٌ يَنْطَلِق " تقديرُه : ينطلِقْ زيدٌ ينطلِقْ . ف " ينطلقْ " واقعٌ جواباً ، ومع ذلك فَسَّر الفعلَ فكذلك هذا ، وأيضاً فذلك/ جائزٌ في فعلِ الشرطِ بعدَها نحو : { إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ } [ الانشقاق : 1 ] فليَجُزْ في جوابِها أيضاً " .