اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمۡ يَغۡفِرُونَ} (37)

الصفة الثانية : قوله : { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ } نسقٌ على{[49428]} «الذين » الأولى . وقال أبو البقاء : «الذين يجتنبون » في موضع جر بدلاً من{[49429]} «الَّذِينَ آمَنُوا » ويجوز أن يكون في محل{[49430]} نصب بإضمار «أعْنِي » أو في موضع رفع على تقدير «هُمْ »{[49431]} وهذا وَهَمٌ منه في التلاوة كأنه اعتقد أن القرآن : وعلى ربهم يتوكلون الذين يجتنبون فبنى عليه الثَّلاثة الأوجه وهو بناء فاسد{[49432]} .

قوله : { كَبَائِرَ الإِثْمِ } قرأ الأخوان هنا وفي النجم{[49433]} : «كَبِيرَ الإِثْمِ » : بالإفراد{[49434]} ، والباقون كَبَائِرَ بالجمع في السورتين ، والمفرد هنا في معنى الجمع والرسم الكريم يحتمل القراءتين .

فصل

تقدم معنى كبائر الإثم في سورة النساء{[49435]} . قال ابن الخطيب : نقل الزمخشري عن ابن عباس : أن كبير الإثم هو الشرك ، وهو عندي ضعيف لأن شرط الإيمان مذكور وهو يغني عن عدم الشرك ، وقيل : كبائر الإثم ما يتعلق بالبدع واستخراج الشبهات{[49436]} . وأما الفواحش فقال السدي : يعني الزنا . وقال مقاتل : ما يوجب الحدَّ .

قوله : { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ } : إذا » منصوبة بيغفرون ، و«يَغْفِرُونَ » خير لهم والجملة بأسرها عطف على الصلة وهي «يجتنبون » ، والتقدير : والذين يجتنبون وهم يغفرون عطف اسمية على فعلية .

ويجوز أن يكون «هم » توكيد للفاعل في قوله : «غضبوا » ، وعلى هذا فيغفرون جواب الشرط{[49437]} . وقال أبو البقاء : هم مبتدأ ، ويغفرون الخبر ، والجملة جواب إذا{[49438]} .

قال شهاب الدين : وهذا غير صحيح ، لأنه لو كان جواباً لإذا لاقترن بالفاء ، تقول : إذا جاء زيدٌ فعمرو منطلق ، ولا يجوز : عمرو ينطلق{[49439]} . وقيل : ( هم ){[49440]} مرفوع بفعل مقدر يفسره «يغفرون » بعده ولما حذف الفعل انفصل الضمير{[49441]} . ولم يستبعده أبو حيان ، وقال : ينبغي أن يجوز ذلك في مذهب سيبويه{[49442]} ، لأنه أجازه في الأداة الجازمة تقول : إنْ يَنْطَلِقْ زَيْدٌ ينطلق تقديره : ينطلق زيد ينطلق فينطلق واقع جواباً ومع ذلك فسَّر الفعل فكذلك هذا . وأيضاً فذلك جائز في فعل الشرط بعدها نحو : إذا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ فليجز في جوابها أيضاً{[49443]} .

فصل{[49444]}

وإذا ما غضبوا هم يغفرون يَحْلِمُونَ ويَكْظِمُونَ الغيظ ، وخص الغضب بلفظ الغفران ؛ لأن الغضب على طبع النار واستيلاؤه شديد ومقاومته صعبة ، فلهذا خصه الله تعالى بهذا اللفظ{[49445]} .


[49428]:التبيان 1134 ومشكل إعراب القرآن 2/279، وفي معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/400 أنه صفة "للذين آمنوا".
[49429]:لم أجد ذلك في كتابه السابق وإنما ما وجدته ما قاله المؤلف بعد.
[49430]:في ب موضع.
[49431]:التبيان 1135.
[49432]:والصحيح أن أبا البقاء لم يتوهم ذلك ولقد تابع المؤلف السمين الذي نقل هذا عن أبي حيان ولقد تتبعت كتاب التبيان وآراءه في هذه الآية فلم أجد ما كتبه عنه المؤلف تبعا للسمين وشيخه. انظر البحر 7/522، والدر المصون 4/761.
[49433]:يعني الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللّمم الآية 22.
[49434]:انظر السبعة 583، وابن خالويه 319 ومعاني الفراء 3/25.
[49435]:في قوله: {إن تجتنبوا كبائر} [النساء: 31].
[49436]:الرازي 27/176.
[49437]:انظر البيان 2/350.
[49438]:انظر التبيان له 1135.
[49439]:في ب: عمرو منطلق.. وفي السمين لينطلق ولعله خطأ من الناسخ وانظر الدر المصون 4/762.
[49440]:سقط من ب.
[49441]:قال بهذا ابن الأنباري في البيان 2/350 في الآية الآتية وهي: "هم ينتصرون" قال: هذا قياس قول سيبويه.
[49442]:قال في الكتاب 3/113 و114: "واعلم أن قولهم في الشعر: إن زيد يأتك يكن كذا إنما ارتفع على فعل هذا تفسيره كما كان ذلك في قولك: إن زيدا رأيته يكن ذلك، لأنه لا تبتدأ بعدما الأسماء ثم يبنى عليها.
[49443]:وانظر البحر المحيط بالمعنى 7/522.
[49444]:في ب قوله بدل من فصل.
[49445]:الرازي 27/167.