المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ} (27)

26- قيل له - جزاء على إيمانه ودعوته إلى الله - : ادخل الجنة قال - وهو في ظل النعيم والكرامة - : يا ليت قومي يعلمون بغفران ربى وإكرامه لي ، ليؤمنوا كما آمنت .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ} (27)

فقيل له عند موته { ادخل الجنة } وذلك والله أعلم بأن عرض عليه مقعده منها ، وتحقق أنه من ساكنيها برؤيته ما أقر عينه ، فلما تحصل له ذلك تمنى أن يعلم قومه بذلك ، وقيل أراد بذلك الإشفاق والتنصح لهم ، أي لو علموا بذلك لآمنوا بالله تعالى ، وقيل أراد أن يعلموا ذلك فيندموا على فعلهم به ويحزنهم ذلك ، وهذا موجود في جبلة البشر إذا نال خيراً في بلد غربة ود أن يعلم ذلك جيرانه وأترابه الذين نشأ فيهم ولا سيما في الكرامات ، ونحو من ذلك قول الشاعر :

والعز مطلوب وملتمس . . . وأحبه ما نيل في الوطن

قال القاضي أبو محمد : والتأويل الأول أشبه بهذا العبد الصالح ، وفي ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم «نصح قومه حياً وميتاً »{[2]} ، وقال قتادة بن دعامة : نصحهم على حالة الغضب والرضى ، وكذلك لا تجد المؤمن إلا ناصحاً للناس ، و «ما » في قوله تعالى : { بما } يجوز أن تكون مصدرية أي بغفران ربي لي ، ويجوز أن تكون بمعنى الذي ، وفي غفر ضمير عائد محذوف قال الزهراوي : ويجوز أن يكون استفهاماً ثم ضعفه{[3]} .


[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلۡمُكۡرَمِينَ} (27)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{بما} بأي شيء.

{غفر لي ربي وجعلني من المكرمين} باتباعي المرسلين، فلو علموا لآمنوا بالرسل، فنصح لهم في حياته، وبعد موته...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 26]

يقول تعالى ذكره: قال الله له إذ قتلوه كذلك فلقيه:"ادْخُلِ الجَنّةَ"، فلما دخلها وعاين ما أكرمه الله به لإيمانه وصبره فيه "قالَ يا لَيْتَ قَوْمي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لي رَبّي "يقول: يا ليتهم يعلمون أن السبب الذي من أجله غفر لي ربي ذنوبي، وجعلني من الذين أكرمهم الله بإدخاله إياه جنته، كان إيماني بالله وصبري فيه، حتى قتلت، فيؤمنوا بالله ويستوجبوا الجنة... عن قتادة، قوله: "قِيلَ ادْخُلِ الجَنّةِ فلما دخلها قالَ يا لَيْتَ قَوْمي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لي رَبّي وَجَعَلِني مِنَ المُكْرَمِينَ"، قال: فلا تلقى المؤمن إلاّ ناصحا، ولا تلقاه غاشا، فلما عاين من كرامة الله قالَ يا لَيْتَ قَوْمي يَعْلَمُونَ بمَا غَفَرَ لي رَبّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ تمنى على الله أن يعلم قومه ما عاين من كرامة الله، وما هجم عليه.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

الإكرام: هو إعطاء المنزلة الرفيعة على وجه التعظيم والتبجيل. وقد فاز من أكرمه الله بالرضوان.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وجعلني من المكرمين} قد ذكرنا أن الإيمان والعمل الصالح يوجبان أمرين هما الغفران والإكرام كما في قوله تعالى: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم} والرجل كان من المؤمنين الصلحاء، والمكرم على ضد المهان، والإهانة بالحاجة والإكرام بالاستغناء فيغني الله الصالح عن كل أحد ويدفع جميع حاجاته بنفسه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أريد التصريح بوقوع الإحسان إليه، حل المصدر إلى قوله: {بما غفر لي} أي أوقع الستر لما كنت مرتكباً له طول عمري من الكفر به بإيمان في مدة يسيرة.

{ربي} أي الذي أحسن إلي في الأخرى بعد إحسانه في الدنيا.

{وجعلني} ولما كان الأنس أعظم فوز، عدل عن أن يقول "مكرماً "إلى قوله: {من المكرمين} أي الذين أعطاهم الدرجات العلى بقطعهم جميع أعمارهم في العبادة.

وفي قصته حث على المبادرة إلى مفارقة الأشرار واتباع الأخيار، والتلطف في خلاص الظالم من ظلمه، وأنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله وإن كان محسناً، وهذا كما وقع للأنصار رضي الله عنهم في المبادرة إلى الإيمان مع بعد الدار والنسب، وفي قول من استشهد منهم في بئر معونة -كما رواه البخاري في المغازي عن أنس رضي الله عنه: بلغوا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا، وفي غزوة أحد كما في السيرة وغيرها، لما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب، فقال تبارك وتعالى: فأنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا} الآيات في سورة آل عمران، وفي التمثيل بهذه القصة إشارة إلى أن في قريش من ختم بموته على الكفر ولم ينقص ما ضرب له من الأجل، فهو سبحانه يؤيد هذا الدين بغيرهم لتظهر قدرته وليستوفي الآجال أولئك، ثم يقبل بقلوب غيرهم، فتظهر مع ذلك حكمته- إلى غير ذلك من ينابيع المعاني، وثابت المباني.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

المراد بالمكرمين: الذين تلحقهم كرامة الله تعالى وهم الملائكة والأنبياء وأفضل الصالحين قال تعالى: {بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 26] يعني الملائكة وعيسى عليهم السلام.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

الجدير بالملاحظة أنّه تحدّث أوّلا عن نعمة الغفران الإلهي، ثمّ عن الإكرام، إذ يجب أوّلا غسل الروح الإنسانية بماء المغفرة لتنقيتها من الذنوب، وحينها تأخذ محلّها على بساط القرب والإكرام الإلهي. والجدير بالتأمّل أنّ الإكرام والاحترام والتجليل، وإن كان من نصيب الكثير من العباد، وأصولا فإنّه أي الإكرام يتعاظم مع «التقوى» جنباً إلى جنب، (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم). ولكن (الإكرام) بشكل مطلق وبدون أدنى قيد أو شرط جاء في القرآن الكريم خاصاً لمجموعتين:

الاُولى: الملائكة المقرّبون، (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعلمون).

والثانية: الأشخاص الذين بلغوا بإيمانهم أكمل الإيمان ويسمّيهم القرآن «المخلَصين» فيقول عنهم: (اُولئك في جنّات مكرمون).