المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدٗا} (48)

48- ويعرض الناس في هذا اليوم على الله في جموع مصفوفة للحساب ، ويقول الله تعالى : لقد بعثناكم بعد الموت كما أحييناكم أول مرة ، وجئتمونا فرادى بلا مال ولا بنين ، وكنتم في الدنيا تكذبون بالبعث والحساب .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدٗا} (48)

قوله تعالى : { وعرضوا على ربك صفاً } أي : صفاً صفاً فوجاً فوجاً ، لا أنهم صف واحد . وقيل : قياماً ، ثم يقال لهم ، يعني الكفار : { لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة } يعني أحياءً ، وقيل : فرادى كما ذكر في سورة الأنعام . وقيل غرلاً . { بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا } ، يوم القيامة ، يقوله لمنكري البعث .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا معلى بن أسد ، حدثنا وهب عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال : " يحشر الناس على ثلاث طرائق ، راغبين وراهبين ، واثنان على بعير ، وثلاثة على بعير ، وأربعة على بعير ، وعشرة على بعير ، وتحشر بقيتهم النار ، تقيل معهم حيث قالوا ، وتبيت معهم حيث باتوا ، وتصبح معهم حيث أصبحوا ، وتمسي معهم حيث أمسوا " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن كثير ، أنبأنا سفيان بن المغيرة بن النعمان ، حدثني سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم محشورون حفاةً عراةً غرلاً ، ثم قرأ ، { كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين } [ الأنبياء – 104 ] ، وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم ، وإن ناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول أصحابي أصحابي ، فيقول : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : { وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم } إلى قوله : { العزيز الحكيم } [ المائدة - 117 118 ] " .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد السرخسي ، أنا أبو القاسم جعفر بن محمد بن مغلس ، ببغداد ، ثنا هارون بن إسحاق الهمذاني ، أنبأنا أبو خالد الأحمر ، عن حاتم بن أبي صغير ، عن ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : { قلت يا رسول الله كيف يحشر الناس يوم القيامة ؟ قال : عراةً حفاةً ، قالت : قلت والنساء ؟ قال : والنساء ، قالت : قلت يا رسول الله نستحي ، قال : يا عائشة الأمر أشد من ذلك أن يهمهم أن ينظر بعضهم إلى بعض " .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدٗا} (48)

عَرض الشيء : إحضاره ليُرى حاله وما يحتاجه . ومنه عرض الجيش على الأمير ليرى حالهم وعدتهم . وفي الحديث « عُرضت عليّ لأمم » وهو هنا مستعار لإحضارهم حيث يعلمون أنهم سيتلقون ما يأمر الله به في شأنهم .

والصف : جماعة يقفون واحداً حذو واحد بحيث يبدو جميعهم لا يحجب أحد منهم أحداً . وأصله مصدر ( صفهم ) إذا أوقفهم ، أطلق على المصفوف . وانتصب { صفاً } على الحال من واو { عُرضوا } . وتلك الحالة إيذان بأنهم أحضروا بحالة الجناة الذين لا يخفى منهم أحد إيقاعاً للرعب في قولبهم .

وجملة { وعرضوا على ربك } معطوفة على جملة { وحشرناهم } ، فهي في موضع الحال من الضمير المنصوب في { حشرناهم } ، أي حشرناهم وقد عرضوا تنبيهاً على سرعة عرضهم في حين حشرهم .

وعدل عن الإضمار إلى التعريف بالإضافة في قوله : { على ربك } دون أن يقال ( علينا ) لتضمن الإضافة تنويهاً بشأن المضاف إليه بأن في هذا العرض وما فيه من التهديد نصيباً من الانتصار للمخاطب إذ كذبوه حين أخبرهم وأنذرهم بالبعث .

وجملة { لقد جئتمونا } مقولٌ لقول محذوف دل عليه أن الجملة خطاب للمعروضين فتعين تقدير القول ، وهذه الجملة في محل الحال . والتقدير : قائلين لهم لقد جئتمونا . وذلك بإسماعهم هذا الكلام من جانب الله تعالى وهم يعلمون أنه من جانب الله تعالى . والخطاب في قوله : { لقد جئتمونا } موجه إلى معاد ضمير { عُرضوا } .

والخبر في قوله : { لقد جئتمونا } مستعمل في التهديد والتغليظ والتنديم على إنكارهم البعث . والمجيء : مجاز في الحضور ، شبهوا حين موتهم بالغائبين وشبهت حياتهم بعد الموت بمجيء الغائب .

وقوله : { كما خلقناكم أول مرة } واقع موقع المفعول المطلق المفيد للمشابهة ، أي جئتمونا مجيئاً كخلقكم أول مرة . فالخلق الثاني أشبه الخلق الأول ، أي فهذا خلق ثانٍ . و ( ما ) مصدرية ، أي كخلقنا إياكم المرة الأولى ، قال تعالى : { أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد } [ ق : 15 ] . والمقصود التعريض بخطئهم في إنكارهم البعث .

والإضراب في قوله : { بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً } انتقال من التهديد وما معه من التعريض بالتغليط إلى التصريح بالتغليط في قالب الإنكار ؛ فالخبر مستعمل في التغليط مجازاً وليس مستعملاً في إفادة مدلوله الأصلي .

والزعم : الاعتقاد المخطىء ، أو الخبر المعرَّض للكذب . والموعد أصله : وقت الوعد بشيء أو مكان الوعد . وهو هنا الزمن الموعود به الحياة بعد الموت .

والمعنى : أنكم اعتقدتم باطلاً أن لا يكون لكم موعد للبعث بعدا لموت أبداً .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدٗا} (48)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وعرضوا على ربك صفا}، يعني: جميعا، نظيرها في طه: {ثم ائتوا صفا} [طه:64]، يعني: جميعا،

{لقد جئتمونا} فرادى ليس معكم من دنياكم شيء،

{كما خلقناكم أول مرة}، حين ولدوا وليس لهم شيء،

{بل زعمتم} في الدنيا،

{ألن نجعل لكم موعدا}، يعني: ميقاتا في الآخرة تبعثون فيه.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَعُرِضُوا عَلى رَبّكَ صَفّا" يقول عزّ ذكره: وعُرض الخلق على ربك يا محمد صفا، "لَقَدْ جِئْتُمُونا كمَا خَلَقْناكُمْ أوّلَ مَرّةٍ "يقول عزّ ذكره: يقال لهم إذ عُرضوا على الله: لقد جئتمونا أيها الناس أحياء كهيئتكهم حين خلقناكم أوّل مرّة، وحذف يقال من الكلام لمعرفة السامعين بأنه مراد في الكلام.

وقوله: "بَلْ زَعَمْتُمْ ألّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدا" وهذا الكلام خرج مخرج الخبر عن خطاب الله به الجميع، والمراد منه الخصوص، وذلك أنه قد يرد القيامة خلق من الأنبياء والرسل، والمؤمنين بالله ورسله وبالبعث. ومعلوم أنه لا يُقال يومئذٍ لمن وردها من أهل التصديق بوعد الله في الدنيا، وأهل اليقين فيها بقيام الساعة، بل زعمتم أن لن نجعل لكم البعث بعد الممات، والحشر إلى القيامة موعدا، وأن ذلك إنما يقال لمن كان في الدنيا مكذّبا بالبعث وقيام الساعة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {وعرضوا على ربك} للحساب.

وقال بعضهم: يعرضون على مقامهم، أي يعرض كل فريق على مقامه، أي يبعث كقوله: {وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين} (الشعراء: 90و91). ويحتمل معنى العرض في ذلك اليوم، وإن كانوا في جميع الأحوال والأوقات في الدنيا والآخرة معروضين عليه أنه عالم بأحوالهم لما يقرون له جميعا يومئذ منكرهم ومقرهم بالعرض والقيامة كقوله: {وبرزوا لله جميعا} (إبراهيم: 21) (وقوله): {والأمر يومئذ لله} (الانفطار: 19) أي الأمر في جميع الأوقات لله. وكذلك هم بارزون له في جميع الأوقات. لكنه خص ذلك اليوم بالإضافة إليه بما يقرون له جميعا في ذلك اليوم بالألوهية له والملك، ويعرفون حقيقته. فعلى ذلك هذا، والله أعلم...

وقوله تعالى: {لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة} يحتمل هذا وجوها:

أحدها: يحتمل {لقد جئتمونا} بالإجابة والإقرار لنا كما أجابت خلقتكم في أول خلقنا إياها في الدنيا.

والثاني: {ولقد جئتمونا فرادى} كما قلنا في الدنيا {ثم إنكم يوم القيامة تبعثون} (المؤمنين: 16) وقلنا: {واعلموا أنكم إليه تحشرون} (البقرة: 103و..) وقلنا: {ويوم تقوم الساعة} (الجاثية: 27).

والثالث: ما قاله أهل التأويل: {ولقد جئتمونا فرادى} (الأنعام: 94) بلا أنصار ينصرونكم ولا أعوان يعينونكم على ما كنتم في الابتداء،

وقال بعضهم: كما خرجتم من بطون أمهاتكم عراة وحفاة، ليس معكم مال يمانعكم ولا أنصار يناصرونكم. وهو ما قال: {ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم} (الأنعام: 94).

"بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا" هذا يدل أن تلك الأهوال التي ذكر إنما تكون للعصاة ومن أنكر البعث حين قال: {بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا} يعني القيامة. و هذا يدل أن الأهوال و الأفزاع التي ذكر في الآية الأولى تكون للعصاة و الفَسَقةَ من خلقه دون المؤمنين...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{صَفَّا} مصطفِّين ظاهرين، يَرى جماعتَهم كما يَرى كلَّ واحدٍ لا يَحجُب أحدٌ أحداً... {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا} أي قُلْنا لهم: لقد جئتمونا...

والمعنى لقد بعثناكم كما أنشأناكم... {مَّوْعِدًا} وقتاً لإنجاز ما وُعِدْتُم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{لقد جئتمونا} إلى آخر الآية مقاولة للكفار المنكرين للبعث، ومضمنها التقريع والتوبيخ، والمؤمنون المعتقدون في الدنيا أنهم يبعثون يوم القيامة، لا تكون لهم هذه المخاطبة بوجه وفي الكلام حذف ويقتضيه القول ويحسنه الإيجاز تقديره: يقال للكفرة منهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر سبحانه حشرهم، وكان من المعلوم أنه للعرض، ذكر كيفية ذلك العرض، فقال بانياً الفعل للمفعول عل طريقة كلام القادرين، ولأن المخوف العرض لا كونه من معين: {وعرضوا على ربك} أي المحسن إليك برفع أوليائك وخفض أعدائك {صفاً} لاتساع والمسايقة إلى داره، لعرض أذل شيء وأصغره، وأطوعه وأحقره، يقال لهم تنبيهاً على مقام العظمة: {لقد جئتمونا} أحياء سويين حفاة عراة غرلاً {كما خلقناكم} بتلك العظمة {أول مرة} منعزلين من كل شيء كنتم تجمعونه وتفاخرون به منقادين مذعنين فتقولون {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} [يس: 52] فيقال لكم: {بل زعمتم} أي ادعيتم جهلاً بعظمتنا {أن} أي أنا {لن نجعل لكم} على ما لنا من العظمة {موعداً} أي مكاناً ووقتاً نجمعكم فيه هذا الجمع فننجز ما وعدناكم به على ألسنة الرسل...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

{على رَبِّكَ} إشارة إلى غضب الله تعالى عليهم وطردهم عن ديوان القبول بعدم جريهم على معرفتهم لربوبيته عز وجل: {وَعُرِضُواْ على رَبّكَ صَفَّا} إخبار عن جميع بني آدم وإن كان المخاطب في قوله سبحانه {بَلْ زَعَمْتُمْ} الخ بعضهم، ذكر أنه يعرض كل صنف صفاً، وقيل الأنبياء عليهم السلام صف والأولياء صف وسائر المؤمنين صف والمنافقون والكافرون صف وهم آخر الصفوف فيقال لهم: {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الكهف: 48] على وصف الفطرة الأولية عاجزين منقطعين إليه سبحانه.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ومن الحشر الجامع الذي لا يخلف أحدا إلى العرض الشامل: (وعرضوا على ربك صفا). هذه الخلائق التي لا يحصى لها عدد، منذ أن قامت البشرية على ظهر هذه الأرض إلى نهاية الحياة الدنيا.. هذه الخلائق كلها محشورة مجموعة مصفوفة، لم يتخلف منها أحد، فالأرض مكشوفة مستوية لا تخفي أحدا. وهنا يتحول السياق من الوصف إلى الخطاب. فكأنما المشهد حاضر اللحظة، شاخص نراه ونسمع ما يدور فيه. ونرى الخزي على وجوه القوم الذين كذبوا بذلك الموقف وأنكروه: لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة. بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا. هذا الالتفات من الوصف إلى الخطاب يحيي المشهد ويجسمه. كأنما هو حاضر اللحظة، لا مستقبل في ضمير الغيب في يوم الحساب. وإننا لنكاد نلمح الخزي على الوجوه، والذل في الملامح. وصوت الجلالة الرهيب يجبه هؤلاء المجرمين بالتأنيب: (لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة) وكنتم تزعمون أن ذلك لن يكون: زعمتم ألن نجعل لكم موعدا!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عَرْضُ الشيءِ: إحضارُه ليُرى حالُه وما يحتاجه...

وهو هنا مستعار لإحضارهم حيث يَعلمون أنهم سيتلقَّون ما يأمر الله به في شأنهم...

والصَّفُّ: جماعةٌ يقفون واحداً حَذْوَ واحدٍ بحيث يبدو جميعهم لا يَحْجُبُ أحدٌ منهم أحداً. وأصله مصدر (صَفَّهُم) إذا أوقَفَهم...

وتلك الحالة إيذانٌ بأنهم أُحضِروا بحالة الجُنَاةِ الذين لا يَخفَى منهم أحدٌ إيقاعاً للرعب في قلوبهم...

وجملة {وعرضوا على ربك} معطوفة على جملة {وحشرناهم}، فهي في موضع الحال من الضمير المنصوب في {حشرناهم}، أي حشرناهم وقد عرضوا تنبيهاً على سرعة عرضهم في حين حشرهم...

وعدل عن الإضمار إلى التعريف بالإضافة في قوله: {على ربك} دون أن يقال (علينا) لتضمن الإضافة تنويهاً بشأن المضاف إليه بأن في هذا العرض وما فيه من التهديد نصيباً من الانتصار للمخاطَب إذ كذَّبوه حين أخبَرهم وأنذَرهم بالبعث...

والخبر في قوله: {لقد جئتمونا} مستعملٌ في التهديد والتغليظ والتنديم على إنكارهم البعث. والمجيء: مجازٌ في الحضور، شُبِّهوا حين موتهم بالغائبين وشُبِّهت حياتُهم بعد الموت بمجيء الغائب...

{كما خلقناكم أول مرة} واقع موقع المفعول المطلق المفيد للمشابهة، أي جئتمونا مجيئاً كخلقكم أول مرة. فالخلق الثاني أشبه الخلق الأول، أي فهذا خَلْقٌ ثانٍ...

والإضراب في قوله: {بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً} انتقال من التهديد وما معه من التعريض بالتغليط إلى التصريح بالتغليط في قالب الإنكار؛ فالخبر مستعمل في التغليط مجازاً وليس مستعملاً في إفادة مدلوله الأصلي...

والزعم: الاعتقاد المخطىء، أو الخبر المعرَّض للكذب...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

أي أنهم في هذا المَحْشَر الذي حُشروا فيه لم يكونوا مجهولون، أو أن الازدحام جعلهم غير معروفين، بل إنهم كانوا مع هذا الجمع الحاشد معروفين مُمَيَّزِين عند رب العالمين الذي لا يَخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء... أكد سبحانه وتعالى مجيئهم بـ (اللام)، و (قد) وأنهم مُعايَنون... وقوله تعالى: {كما خلقناكم أول مرة} فيه... إشارةٌ إلى قدرة الله الكامل المسيطرة، وأنه أعادهم كما بدأهم، كما بدأكم تعودون... {بل زعمتُم ألَّنْ نجعلَ لكم موعداً} الإضراب هنا بـ {بل} معناه الإضراب عما كانوا عليه في الدنيا وإثبات الواقع المُقرَّر الذي يرونه، و {زعمتم}، أي ظننتم بزعْمكم لا بالحقيقة الثابتة...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَعُرِضُواْ عَلَى رَبِّكَ صَفّاً} واحداً يمثل التساوي في كل المواقع الذاتية، فلا تَفاضُلَ بنسبٍ، ولا جاهٍ، ولا مالٍ، ولا جَمالٍ، ولا غير ذلك مما كانوا يتفاضلون فيه في الدنيا ويختلفون حوله، وليس لهم في هذا الموقف إلا العمل، وبذلك يكتشفون سقوطَ الامتيازات الدنيوية في عُمق القيمة الروحية الإلهية...

{بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا} وخُيِّل إليكم... أنّ... الحياة ستمتد بكم إلى ما لا نهاية، أو أنها ستنتهي إلى اللاشيء، لأنكم لم تكتشفوا العلاقة الحقيقية بالله من خلال وجودكم في الدنيا، أو من خلال حركة الحياة في هذا الوجود، في حاجاتها وأوضاعها، وعلاقاتها، بل أخلدتم إلى الأرض في نظرة تائهة مشدودة إلى التراب، بعيدة عن الآفاق العليا التي تطل بالفكر على الحقيقة الإلهية التي تشمل الكون كله، وتحتوي الزمن كله، وتوحي للإنسان بأن هناك سرّاً يكمن خلف الحياة، وأن الله لم يخلق الناس عبثاً، ولم يُعْفِهم من المسؤولية، لأن ذلك هو معنى الحكمة في خلقه وفي تشريعه...