قوله : { وَعُرِضُواْ على رَبِّكَ صَفَّاً } .
{ صَفًّا } : حال من مرفوع " عرضوا " وأصله المصدرية ، يقال منه : صفَّ يصفُّ صفًّا ، ثم يطلق على الجماعة المصطفِّين ، واختلف هنا في " صفًّا " : هل هو مفرد وقع موقع الجمع ؛ إذ المراد صفوفاً ؛ ويدل عليه الحديث الصحيح : " يجمعُ الله الأوَّلين والآخرينَ في صعيدٍ واحدٍ صفوفاً " {[21129]} وفي حديث آخر : " أهلُ الجنَّة مائةٌ وعشرون صفًّا ، أنتم منها ثمانون " {[21130]} .
ويؤيده قوله تعالى : { يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [ غافر : 67 ] أي أطفالاً . وقيل : ثَمَّ حذف ، أي : صفًّا صفًّا ، ونظيره قوله في موضع : { وَجَآءَ رَبُّكَ والملك صَفّاً صَفّاً } [ الفجر : 22 ] . وقال في آخر : { يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفّاً } [ النبأ : 38 ] يريد : صفًّا صفًّا ؛ بدليل الآية الأخرى ، فكذلك هنا ، وقيل : بل كل الخلائق تكون صفًّا [ واحداً ] ، وهو أبلغ في القدرة ، وأمَّا الحديثان فيحملان على اختلاف أحوالٍ ؛ لأنه يوم طويل ، كما شهد له بقوله { كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [ المعارج : 4 ] فتارة يكونون فيه صفًّا واحداً ، وتارة صفوفاً .
وقيل : صفًّا أي : قياماً ؛ لقوله تعالى : { فاذكروا اسم الله عَلَيْهَا صَوَآفَّ } [ الحج : 36 ] أي قياماً .
قوله : { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا } على إضمار قول ، أي : وقلنا لهم كيت وكيت .
وتقدَّم أن هذا القول هو العامل في قوله { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجبال } [ الكهف : 47 ] . ويجوز أن يضمر هذا القول حالاً من مرفوع " عُرِضُوا " ، أي : عرضوا مقولاً لهم كذا وكذا .
قوله : { كَمَا خَلَقْنَاكُمْ } : أي : مجيئاً مشبهاً لخلقكم الأول حفاة ، عراة غرلاً ، لا مال ، ولا ولد معكم ، وقال الزمخشري : " لقَدْ بَعثْنَاكُم كَمَا أنْشَأناكُمْ أوَّل مرَّة " فعلى هذين التقديرين ، يكون نعتاً للمصدر المحذوف ، وعلى رأي سيبويه{[21131]} : يكون حالاً من ضميره .
قوله : { كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } .
ليس المراد حصول المساواة من كل الوجوه{[21132]} ؛ لأنهم خلقوا صغاراً ، ولا عقل لهم ، ولا تكليف عليهم ، بل المراد أنَّه قال للمشركين المنكرين للبعث المفتخرين على فقراء المؤمنين بالأموال والأنصار : { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي حفاة ، عراة ، بغير أموال ، ولا أعوانٍ ، ونظيره قوله تعالى : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } [ الأنعام : 94 ] .
ثم قال تعالى : { بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } أي كنتم مع التعزُّز على المؤمنين بالأموال والأنصار ، تنكرون البعث ، فالآن قد تركتم الأموال والأنصار في الدنيا ، وشاهدتم أنَّ البعث والقيامة حقٌّ .
قوله : { أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } " أنْ " هي المخففة ، وفصل بينها وبين خبرها ؛ لكونه جملة فعلية متصرفة غير دعاءٍ بحرف النفي ، و " لكم " يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً للجعل بمعنى التصيير ، و " مَوْعداً " هو الأول ، ويجوز أن يكون معلَّقاً بالجعل ، أو يكون حالاً من " مَوعِداً " إذا لم يجعل الجعل تصييراً ، بل لمجرد الإيجادِ .
و " بَلْ " في قوله : " بَل زَعَمتُمْ " لمجرَّد الانتقالِ ، من غير إبطالٍ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.