البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدٗا} (48)

وانتصب { صفاً } على الحال وهو مفرد تنّزل منزلة الجمع أي صفوفاً .

وفي الحديث الصحيح : " يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفاً يسمعهم الداعي وينفذهم البصر " الحديث بطوله وفي حديث آخر : " أهل الجنة يوم القيامة مائة وعشرون صفاً أنتم منها ثمانون صفاً " أو انتصب على المصدر الموضوع موضع الحال أي مصطفين .

وقيل : المعنى { صفاً } صفاً فحذف صفاً وهو مراد ، وهذا التكرار منبئ عن استيفاء الصفوف إلى آخرها ، شبه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان مصطفين ظاهرين يرى جماعتهم كما يرى كل واحد لا يحجب أحد أحداً .

{ لقد جئتمونا } معمول لقول محذوف أي وقلنا و { كما خلقناكم } نعت لمصدر محذوف أي مجيئاً مثل مجيء خلقكم أي «حفاة عراة غرلاً » كما جاء في الحديث ، وخالين من المال والولد و { أنْ } هنا مخففة من الثقيلة .

وفصل بينها وبين الفعل بحرف النفي وهو { لن } كما فصل في قوله { أيحسب الإنسان أن لن نجمع } و { بل } للإضراب بمعنى الانتقال من خبر إلى خبر ليس بمعنى الإبطال ، والمعنى أن لن نجمع لإعادتكم وحشركم { موعداً } أي مكان وعد أو زمان وعد لإنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور ، والخطاب في { لقد جئتمونا } للكفار المنكرين البعث على سبيل تقريعهم وتوبيخهم .