فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدٗا} (48)

{ وَعُرِضُوا على رَبّكَ صَفَّا } انتصاب { صفاً } على الحال أي : مصفوفين كل أمة وزمرة صف ، وقيل : عرضوا صفاً واحداً كما في قوله : { ثُمَّ ائتوا صَفّاً } [ طه : 64 ] أي جميعاً ، وقيل : قياماً . وفي الآية تشبيه حالهم بحال الجيش الذي يعرض على السلطان { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ } هو على إضمار القول ، أي : قلنا لهم لقد جئتمونا ، والكاف في { كما خلقناكم } نعت مصدر محذوف ، أي : مجيئاً كائناً كمجيئكم عند أن خلقناكم أوّل مرّة ، أو كائنين كما خلقناكم أوّل مرّة ، أي : حفاة عراة غرلاً ، كما ورد ذلك في الحديث . قال الزجاج أي : بعثناكم وأعدناكم كما خلقناكم ، لأن قوله { لقد جئتمونا } معناه : بعثناكم { بَلْ زَعَمْتُمْ أن لَنْ نجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا } هذا إضراب وانتقال من كلام إلى كلام للتقريع والتوبيخ ، وهو خطاب لمنكري البعث ، أي : زعمتم في الدنيا وأن لن تبعثوا ، وأن لن نجعل لكم موعداً نجازيكم بأعمالكم وننجز ما وعدناكم به من البعث والعذاب .

/خ53