الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفّٗا لَّقَدۡ جِئۡتُمُونَا كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةِۭۚ بَلۡ زَعَمۡتُمۡ أَلَّن نَّجۡعَلَ لَكُم مَّوۡعِدٗا} (48)

قوله تعالى : " وعرضوا على ربك صفا " " صفا " نصب على الحال . قال مقاتل : يعرضون صفا بعد صف كالصفوف في الصلاة ، كل أمة وزمرة صفا ، لا أنهم صف واحد . وقيل جميعا ، كقوله " ثم ائتوا صفا " {[10565]} [ طه : 64 ] أي جميعا . وقيل قياما . وخرج الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن منده في كتاب التوحيد عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله تبارك وتعالى ينادي يوم القيامة بصوت رفيع غير فظيع : يا عبادي أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون أحضروا حجتكم ويسروا جوابا فإنكم مسؤولون محاسبون . يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب ) .

قلت : هذا الحديث غاية في البيان في تفسير الآية ، ولم يذكره كثير من المفسرين ، وقد كتبناه في كتاب التذكرة ، ومنه نقلناه والحمد لله .

قوله تعالى : " لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة{[10566]} " أي يقال لهم : لقد جئتمونا حفاة عراة ، لا مال معكم ولا ولدا وقيل فرادى ، دليله قوله " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة " [ الأنعام : 94 ] . وقد تقدم . وقال الزجاج : أي بعثناكم كما خلقناكم . " بل زعمتم " هذا خطاب لمنكري البعث أي زعمتم في الدنيا أن لن تبعثوا وأن لن نجعل لكم موعدا للبعث . وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرْلا ) قلت : يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : ( يا عائشة ، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض ) . " غرلا " أي غير مختونين . وقد تقدم في " الأنعام " {[10567]} بيانه .


[10565]:راجع جـ 11 ص 215 فما بعد.
[10566]:راجع جـ 7 ص 42.
[10567]:راجع جـ 7 42.