{ وقد خاب من دساها } أي خابت وخسرت نفس أضلها الله فأفسدها . وقال الحسن : معناه قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله عز وجل ، { وقد خاب من دساها } أهلكها وأضلها وحملها على المعصية ، فجعل الفعل للنفس . و{ دساها } أصله : دسسها من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء ، فأبدلت السين الثانية ياءً . والمعنى ها هنا : أخملها وأخفى محلها بالكفر والمعصية .
أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أنبأنا محمد بن محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر الجوربردي ، حدثنا أحمد بن حرب ، حدثنا أبو معاوية عن عاصم ، عن أبي عثمان وعبد الله بن الحارث ، عن زيد بن أرقم قال : " لا أقول لكم إلا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا : اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن والهرم وعذاب القبر ، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن دعوة لا يستجاب لها " .
و { دساها } معناه : أخفاها وحقرها أي وصغر قدرها بالمعاصي والبخل بما يجب ، يقال دسا يدسو ودسّى بشد السين يدسي وأصله دسس ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]
ودسست عمراً في التراب فأصبحت . . . حلائله يبكين للفقد ضعفا{[11849]}
ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال : «اللهم آت نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها{[11850]} » هذا الحديث يقوي أن المزكي هو الله تعالى ، وقال ثعلب معنى الآية { وقد خاب من دساها } في أهل الخير بالرياء وليس منهم في حقيقته .
ومعنى : { دساها } حال بينها وبين فعل الخير . وأصل فعل دسّى : دسّ ، إذا أدخل شيئاً تحت شيء فأخفاه ، فأبدلوا الحرف المضاعف ياء طلباً للتخفيف كما قالوا : تقضّى البازي أو تقضض ، وقالوا : تظنيت ، أي من الظن .
وإن كانت جملة { قد أفلح من زكاها } جواب القسم فجملة { كذبت ثمود بطغواها } [ الشمس : 11 ] في موقع الدليل لمضمون جملة { وقد خاب من دساها } أي خاب كخيبة ثمود .
والفلاح : النجاح بحصول المطلوب ، والخيبة ضده ، أي أن يُحرم الطالب مما طلبه .
فالإِنسان يرغب في الملائم النافع ، فمن الناس من يطلب ما به النفع والكمال الدائمان ، ومن الناس من يطلب ما فيه عاجل النفع والكمال الزائف ، فالأول قد نجح فيما طلبه فهو مفلح ، والثاني يحصِّل نفعاً عارضاً زائلاً وكمالاً موقتاً ينقلب انحطاطاً فذلك لم ينجح فيما طلبه فهو خائب ، وقد عبر عن ذلك هنا بالفلاح والخيبة كما عبر عنه في مواضع أخر بالربح والخسارة .
والمقصود هنا الفلاح في الآخرة والخيبة فيها .
وفي هذه الآيات مُحسّن الطباق غير مرّة فقد ذكرت أشياء متقابلة متضادة مثل الشمس والقمر لاختلاف وقت ظهورهما ، ومثل النهار والليل ، والتجلية والغشي ، والسماء والأرض ، والبناء والطحو ، والفجور والتقوى ، والفلاح والخيبة ، والتزكية والتدسية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.