يخبر{[14680]}تعالى [ إخبارًا عن قوم هود ]{[14681]} أنهم قالوا لنبيهم : { مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } أي : بحجة [ ولا دلالة ]{[14682]} [ ولا ]{[14683]} وبرهان على ما تدعيه ، { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ } أي : بمجرد قولك : " اتركوهم " نتركهم ، { وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } [ أي ]{[14684]} بمصدقين ،
محاورة منهم لهود عليه السّلام بجواب عن دعوته ، ولذلك جردت الجملة عن العاطف .
وافتتاح كلامهم بالنداء يشير إلى الاهتمام بما سيقولونه ، وأنه جدير بأن يتنبه له لأنهم نزلوه منزلة البعيد لغفلته فنادوه ، فهو مستعمل في معناه الكنائيّ أيضاً . وقد يكون مراداً منه مع ذلك توبيخه ولومه فيكون كناية ثانية ، أو استعمال النّداء في حقيقته ومجازه .
وقولهم : { ما جئتنا ببينة } بهتان لأنه أتاهم بمعجزات لقوله تعالى : { وتلك عادٌ جحدوا بآيات ربهم } [ هود : 59 ] وإن كان القرآن لم يذكر آية معينة لهود عليه السّلام . ولعل آيته أنّه وعدهم عند بعثته بوفرة الأرزاق والأولاد واطّراد الخصب وفرة مطردة لا تنالهم في خلالها نكبة ولا مصيبة بحيث كانت خارقة لعادة النعمة في الأمم ، كما يشير إليه قوله تعالى : { وقالوا مَن أشد منا قوةً } [ فصلت : 15 ] .
وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ما من الأنبياء نبيء إلاّ أُوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر » الحديث .
وإنما أرادوا أن البيّنات التي جاءهم بها هود عليه السّلام لم تكن طبقاً لمقترحاتهم . وجعلوا ذلك علة لتصميمهم على عبادة آلهتهم فقالوا : { وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك } . ولم يجعلوا { وما نحن بتاركي } مفرّعاً على قولهم : { ما جئتنا ببينة } .
و { عن } في { عن قولك } للمجاوزة ، أي لا نتركها تركاً صادراً عن قولك ، كقوله : { وما فعلته عن أمري } [ الكهف : 82 ] . والمعنى على أن يكون كلامه علة لتركهم آلهتهم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قالوا يا هود ما جئتنا ببينة}، يعني ببيان أنك رسول إلينا من الله، {وما نحن بتاركي ءالهتنا عن قولك} يعنون عبادة الأوثان، {وما نحن لك بمؤمنين} يعني بمصدقين بأنك رسول...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: قال قوم هود لهود: يا هود ما أتيتنا ببيان ولا برهان على ما تقول، فنسلم لك، ونقرّ بأنك صادق فيما تدعونا إليه من توحيد الله والإقرار بنبوّتك.
"وَما نَحْنَ بِتارِكِي آلِهَتِنا" يقول: وما نحن بتاركي آلهتنا يعني لقولك: أو من أجل قولك.
"وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ" يقول: قالوا: وما نحن لك بما تدّعي من النبوّة والرسالة من الله إلينا بمصدّقين...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
(وما نحن بتاركي آلهتنا) أي ما نحن بتاركي عبادة آلهتنا (عن قولك) أي بقولك. كان لا يدعوهم هود إلى ترك عبادة آلهتهم بقوله خاصة، ولكن قد دعاهم، وأقام على فساد تلك العبادة الحجج والبراهين. لكنهم قالوا متعنتين مكابرين (وما نحن لك بمؤمنين) في ما تدعونا إليه، وتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
...فالبينة: الحجة الواضحة التي تفصل بين الحق والباطل. والبيان فصل المعنى من غيره حتى يظهر للنفس متميزا مما سواه،...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
ما زادهم هودُ عليه السلام بسطا في الآية وإيضاحاً في المعجزة إلا زادهم اللَّهِ تعالى عَمىً على عَمىً، ولم يرزقْهم بصيرةً ولا هدى، ولم يزيدوا في خطابِهم إلا بما دَلُّوا على فَرِطِ جهالتهم، وشدة ضلالتهم بعد إطنابهم وانتهابهم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ} كذب منهم وجحود، كما قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أُنزل عليه آية من ربه، مع فوت آياته الحصر.
{عَن قَوْلِكَ}...كأنه قيل: وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك: {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} وما يصح من أمثالنا أن يصدقوا مثلك فيما يدعوهم إليه، إقناطاً له من الإجابة...
اعلم أنه تعالى لما حكى عن هود عليه السلام ما ذكره للقوم، حكى أيضا ما ذكره القوم له وهو أشياء: أولها: قولهم: {ما جئتنا ببينة} أي بحجة، والبينة سميت بينة لأنها تبين الحق من الباطل، ومن المعلوم أنه عليه السلام كان قد أظهر المعجزات إلا أن القوم بجهلهم أنكروها، وزعموا أنه ما جاء بشيء من المعجزات. وثانيها: قولهم: {وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك} وهذا أيضا ركيك، لأنهم كانوا يعترفون بأن النافع والضار هو الله تعالى وأن الأصنام لا تنفع ولا تضر، ومتى كان الأمر كذلك فقد ظهر في بديهة العقل أنه لا تجوز عبادتها وتركهم آلهتهم لا يكون عن مجرد قوله بل عن حكم نظر العقل وبديهة النفس. وثالثها: قوله: {وما نحن لك بمؤمنين} وهذا يدل على الإصرار والتقليد والجحود.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما محض لهم النصح على غاية البيان، ما كان جوابهم إلا أن {قالوا} أي عاد بعد أن أظهر لهم هود عليه السلام من المعجزات ما مثله آمن عليه البشر {يا هود} نادوه باسمه غلظة وجفاء {ما جئتنا ببينة} فأوضحوا لكل ذي لب أنهم مكابرون لقويم العقل وصريح النقل، فهم مفترون كما كان العرب يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أتاهم من الآيات على يده ما يفوت الحصر {لولا أنزل عليه آية من ربه} {وما نحن} وأغرقوا في النفي فقالوا: {بتاركي آلهتنا} مجاوزين لها أو صادرين {عن قولك} وتركهم للعطف بالفاء -المؤذنة بأن الأول سبب للثاني أي الواو في قولهم: {وما نحن لك} أي خاصة، وأغرقوا في النفي فقالوا: {بمؤمنين*}- دليل على أنهم تركوا إتباعه عناداً، لا أنهم يعتقدون أنه لم يأت ببينة؛ وإلى ذلك يرشد أيضاً تعبيرهم بالاسمية التي تدل على الثبات فإذا نفي لم ينتف الأصل...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(يا هود ما جئتنا ببينة)... والتوحيد لا يحتاج إلى بينة، إنما يحتاج إلى التوجيه والتذكير، وإلى استجاشة منطق الفطرة، واستنباء الضمير...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
افتتاح كلامهم بالنداء يشير إلى الاهتمام بما سيقولونه، وأنه جدير بأن يتنبه له لأنهم نزلوه منزلة البعيد لغفلته فنادوه، فهو مستعمل في معناه الكنائيّ أيضاً. وقد يكون مراداً منه مع ذلك توبيخه ولومه... وقولهم: {ما جئتنا ببينة} بهتان لأنه أتاهم بمعجزات لقوله تعالى: {وتلك عادٌ جحدوا بآيات ربهم} [هود: 59] وإن كان القرآن لم يذكر آية معينة لهود عليه السّلام. ولعل آيته أنّه وعدهم عند بعثته بوفرة الأرزاق والأولاد واطّراد الخصب وفرة مطردة لا تنالهم في خلالها نكبة ولا مصيبة بحيث كانت خارقة لعادة النعمة في الأمم، كما يشير إليه قوله تعالى: {وقالوا مَن أشد منا قوةً} [فصلت: 15]. وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ما من الأنبياء نبيء إلاّ أُوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر» الحديث. وإنما أرادوا أن البيّنات التي جاءهم بها هود عليه السّلام لم تكن طبقاً لمقترحاتهم. وجعلوا ذلك علة لتصميمهم على عبادة آلهتهم فقالوا: {وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك}. ولم يجعلوا {وما نحن بتاركي} مفرّعاً على قولهم: {ما جئتنا ببينة}. و {عن} في {عن قولك} للمجاوزة، أي لا نتركها تركاً صادراً عن قولك، كقوله: {وما فعلته عن أمري} [الكهف: 82]. والمعنى على أن يكون كلامه علة لتركهم آلهتهم...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
أولها: ادعاؤهم أنه لم يأتهم ببينة أي بدليل يدل على رسالته، وهم بذلك يمضون في عنادهم غير معترفين بما جاءهم من معجزات هي علامة قاطعة.
ثانيها: أنهم ينفون إجابته نفيا لازما قاطعا لا يترددون فيه قائلين: {وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك} ويردون النفي بإضافة الآلهة إليهم كأنهم منها وهي منهم.
ثالثها: أنهم لا يؤمنون بالحق إذ جاء، ولذا قال كما حكى الله تعالى عنهم: {وما نحن لك بمؤمنين} أي وما نحن بمؤمنين استجابة لك، وقدم {لك} للإشارة إلى اختصاص الكفر به وعدم التسليم، في مقابل إيمانهم بما آمن به آباؤهم وقد تأكد النفي بالباء في قوله {بمؤمنين}...