وقال تعالى : { ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ } {[14904]} أي : أولهم وآخرهم ، فلا يبقى منهم أحد ، كما قال : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [ الكهف : 47 ] .
{ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ } أي : يوم عظيم تحضره الملائكة كلهم ، ويجتمع فيه الرسل جميعهم ، وتحشر فيه الخلائق بأسرهم ، من الإنس والجن والطير والوحوش والدواب ، ويحكم فيهم{[14905]} العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة ، وإن تك حسنة يضاعفها .
وقوله تعالى : { إن في ذلك لآية } المعنى : أن في هذه القرى وما حل بها لعبرة وعلامة اهتداء لمن خاف أمر الآخرة وتوقع أن يناله عذابها فنظر وتأمل ، فإن نظره يؤديه إلى الإيمان بالله تعالى ، ثم عظم الله أمر يوم القيامة بوصفه بما تلبس بأجنبي منه للسبب المتصل بينهما ، ويعود الضمير عليه ، و { الناس } - على هذا - مفعول لم يسم فاعله ، ويصح أن يكون { الناس } رفعاً بالابتداء و { مجموع } خبر مقدم{[6507]} .
وهذه الآية خبر عن الحشر ، و { مشهود } عام على الإطلاق يشهده الأولون والآخرون من الإنس والملائكة والجن والحيوان ، في قول الجمهور ، وفيه - أعني الحيوان الصامت - اختلاف ، وقال ابن عباس : الشاهد : محمد عليه السلام ، و «المشهود » يوم القيامة .
بيان للتعريض وتصريح بعد تلويح . والمعنى : وكذلك أخذ ربك فاحْذروه وحذروا ما هو أشدّ منه وهو عذاب الآخرة . والإشارة إلى الأخذ المتقدّم . وفي هذا تخلّص إلى موعظة المسلمين والتّعريض بمدحهم بأن مثلهم من ينتفع بالآيات ويعتبر بالعبر كقوله : { وما يعقلها إلاّ العالمون } [ العنكبوت : 43 ] .
وجُعل عذاب الدنيا آية دالة على عذاب الآخرة لأنّ القرى الظالمة توعّدها الله بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة كما في قوله تعالى : { وإنّ للذين ظلموا عذاباً دون ذلك } [ الطور : 47 ] فلمّا عاينوا عذاب الدّنيا كان تحققه أمارة على تحقق العذاب الآخر .
وجملة { ذلك يوم مجموع له الناس } معترضة للتنويه بشأن هذا اليوم حتّى أنّ المتكلّم يبتدىء كلاماً لأجل وصفه .
والإشارة ب { ذلك } إلى الآخرة لأنّ ماصدقها يومُ القيامة ، فتذكير اسم الإشارة مراعاة لمعنى الآخرة .
واللاّم في { مجموع له } لام العلّة ، أي مجموع الناس لأجله .
ومجيء الخبر جملة اسمية في الإخبار عن اليوم يدلّ على معنى الثّبات ، أي ثابت جمع الله الناس لأجل ذلك اليوم ، فيدلّ على تمكن تعلق الجمع بالنّاس وتمكّن كون ذلك الجمع لأجل اليوم حتّى لقّب ذلك اليوم يومَ الجمع في قوله تعالى : { يوم يجمعكم ليوم الجمع } [ التغابن : 9 ] .
وعطف جملة { وذلك يوم مشهود } على جملة { ذلك يوم مجموع له الناس } لزيادة التّهويل لليوم بأنّه يُشهد . وطُوي ذكر الفاعل إذ المراد يشهده الشّاهدون ، إذ ليس القصد إلى شاهِدين معيّنين . والإخبار عنه بهذا يُؤذن بِأنّهم يشهدونه شهوداً خاصاً وهو شهود الشيء المهول ، إذ من المعلوم أن لا يقصد الإخبار عنه بمجرّد كونه مرئياً لكن المراد كونه مرئياً رؤية خاصة .
ويجوز أن يكون المشهود بمعنى المحقّق أيّ مشهود بوقوعه ، كما يقال : حقّ مشهود ، أيْ عليه شهود لا يستطاع إنكاره ، واضح للعيان .
ويجوز أن يكون المشهود بمعنى كثير الشّاهدين إياه لشهرته ، كقولهم : لفلان مجلس مشهود ، كقول أم قيس الضبّيّة :
ومشهد قد كفيتَ الناطقين به *** في محفل من نواصي الخيل مَشهود
فيكون من نحو قوله تعالى : { فكيف إذا جئنا من كلّ أمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً يومئذٍ يوَدّ الذين كفروا } [ النساء : 41 ، 42 ] الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.