نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّجۡمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّشۡهُودٞ} (103)

ولما كان مما جر هذه القصص وهذه المواعظ تكذيبهم لما يوعدون من العذاب الناشىء عن إنكار البعث المذكور في قوله تعالى : { ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت } ، الآيات أشار تعالى إلى تحقق أمر الآخرة وأنه مما ينبغي الاهتمام به رداً للمقطع على المطلع ، وإعلاماً بأنه لا فرق بينه وبين ما تحقق إيقاعه من عذاب هذه الأمم{[40108]} في القدرة عليه بقوله مؤكداً لأجل جحودهم أن يكون في شيء مما مضى دلالة عليه بوجه من الوجوه : { إن في ذلك } أي النبأ العظيم والقصص والوعظ بما يذكر { لآية } أي لعلامة عظيمة ودلالة بتة{[40109]} ولما كان وجود الشيء عدماً بالنسبة إلى ما{[40110]} لا نفع له به ، قال : { لمن خاف عذاب } يوم الحياة { الآخرة } لأنه نفع خاص به ، وإنما كان آية له لأنه إذا نظر إلى إهلاكه للظالمين إهلاكاً عاماً بسبب ظلمهم وإنجائه للمؤمنين ، علم أنه قادر على ما يريد ، وأنه لا بد أن يجازي كلاًّ بما فعل ، فإذا رأى أن ظلمة كثيرين{[40111]} يموتون بغير انتقام ، علم أنه لا بد من يوم يجازيهم فيه ، وهو اليوم الذي أخبرت به عنه رسله ، وزاد في الإشارة إلى تهويله بإعادة اسم الإشارة في قوله : { ذلك } أي اليوم العظيم الذي يكون فيه عذاب الآخرة { يوم } وأشار - إلى يسر البعث وسهولته عليه وأنه أمر ثابت{[40112]} لا بد{[40113]} منه - باسم المفعول من قوله : { مجموع له } أي لإظهار{[40114]} العدل فيه والفضل { الناس } أي كل من فيه أهلية التحرك والاضطراب وما ثمّ يوم غيره يكون بهذه {[40115]}الصفة أصلاً{[40116]} .

ولما لم يسبقه يوم اجتمع فيه جميع الخلق من الجن والإنس والملائكة وجميع الحيوانات أحياء ، وكان ذلك مسوغاً لأن تعد شهادة غيره عدماً فقال تعالى : { وذلك } أي اليوم العظيم { يوم مشهود* } أي هو نفسه لهم ولغيرهم من جميع الخلق ، فيكون تنوينه للتعظيم بدلالة المقام ، أو يكون المعنى أنه أهل لأن يشهد ، وتتوفر الدواعي على حضوره لما فيه من عجائب الأمور والأهوال العظام والمواقف الصعبة ، فلا يكون ثم شغل إلا نظر ما فيه والإحاطة بحوادثه خوف التلاف ورجاء الخلاص ؛ {[40117]}والآية : العلامة العظيمة لما فيها من البيان عن الأمر الكبير{[40118]} ؛ والخوف : انزعاج النفس بتوقع الشر ، وضده الأمن وهو سكون النفس بتوقع الخير ؛ والعذاب : استمرار الألم .


[40108]:في مد: الأمة.
[40109]:في ظ ومد: بينة.
[40110]:في مد: من.
[40111]:من ظ ومد، في الأصل: كثيرة من.
[40112]:زيد من ظ ومد.
[40113]:زيد بعده في مد: له.
[40114]:في ظ ومد: لأجل إظهار.
[40115]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[40116]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[40117]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[40118]:سقط ما بين الرقمين من ظ.