غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّجۡمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّشۡهُودٞ} (103)

103

التفسير : { إن في ذلك } الذي قصصنا عليك من أحوال الأمم { لآية } لعبرة { لمن خاف } أي لمن هو أهل لأن يخاف { عذاب الآخرة } كقوله : { هدى للمتقين } [ البقرة :2 ] لأن انتفاعه يعود إليهم . قال القفال - في تقرير هذا الاعتبار : إنه إذا علم أن هؤلاء عذبوا على ذنوبهم في الدنيا وهي دار العمل فلأن يعذبوا عليها في الآخرة التي هي دار الجزاء أولى . واعترض عليه في التفسير الكبير بأن ظاهر الآية يقتضي أن العلم بأن القيامة حق كالشرط في حصول الاعتبار بظهور عذاب الاستئصال في الدنيا . والقفال جعل الأمر على العكس قال : والأصوب عندي أن هذا تعريض لمن زعم أن إله العالم موجب بالذات لا فاعل مختار ، وأن هذه الأحوال التي ظهرت في أيام الأنبياء عليهم السلام مثل الغرق والخسف والصيحة إنما حدثت بسبب قرانات الكواكب ، وإذا كان كذلك فلا يكون حصولها دليلاً على صدق الأنبياء عليهم السلام . أما الذي يؤمن بالقيامة ويخاف عذابها فيقطع بأن هذه الوقائع ليست بسبب الكواكب واتصالاتها فيستفيد مزيد الخشية والاعتبار . أقول : وهذا نظر عميق والأظهر ما ذكرت أوّلاً ومثله في القرآن كثير . { إن في ذلك لعبرة لمن يخشى } [ النازعات :26 ] { إن في ذلك لآية لقوم يذكرون } [ النحل :13 ] ثم لما كان لعذاب الآخرة دلالة على يوم القيامة أشار إليه بقوله : { ذلك يوم مجموع } أي يجمع لما فيه من الحساب والثواب والعقاب . { الناس } وأوثر اسم المفعول على فعله لأجل إفادة الثبات وأن حشر الأولين والآخرين فيه صفة له لازمة نظيره قول المتهدد : إنك لمنهوب مالك محروب قومك . فيه من تمكن الوصف وثباته ما ليس في الفعل { وذلك يوم مشهود } أي مشهود فيه الخلائق فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول به . والفرق بين هذا الوصف والوصف الأول أن هذا يدل على حضور الناس فيه مع اطلاع البعض منهم على أحوال الباقين من المحاسبة والمساءلة ليس بحيث لا يعرف كل واحد إلا واقعة نفسه . والجمع المطلق لا يفيد هذا المعنى وإنما فسرنا اليوم بأنه مشهود فيه لا أنه مشهود في نفسه لأن سائر الأيام تشركه في كونها مشهودات . وإنما يحصل التمييز بأنه مشهود فيه دون غيره كما تميز يوم الجمعة عن أيام الأسبوع بكونه مشهوداً فيه دونها .

/خ123