إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّجۡمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّشۡهُودٞ} (103)

{ إِنَّ في ذَلِكَ } أي في أخذه تعالى للأمم الغابرةِ أو في قصصهم { لآيَةً } لعبرةً { لمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخرة } فإنه المعتبرُ به حيث يُستدل بما حاق بهم من العذاب الشديد بسبب ما عملوا من السيئات على أحوال عذابِ الآخرة ، وأما من أنكر الآخرةَ وأحال فناءَ العالم وزعم أن ليس هو ولا شيءٌ من أحواله مستنداً إلى الفاعل المختارِ وأن ما يقع فيه من الحوادث فإنما يقع لأسباب تقتضيه من أوضاع فلكيةٍ تتفق في بعض الأوقاتِ لا لما ذُكر من المعاصي التي يقترفها الأممُ الهالكة فهو بمعزل من هذا الاعتبارِ ، تباً لهم ولما لهم من الأفكار { ذلك } إشارةٌ إلى يوم القيامةِ المدلول عليه بذكر الآخرة { يَوْمٌ مجْمُوعٌ لهُ الناس } للمحاسبة والجزاءِ ، والتغييرُ للدلالة على ثبات معنى الجمعِ وتحقق وقوعِه لا محالة وعدم انفكاك الناس عنه فهو أبلغ من قوله تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجمع } { وَذَلِكَ } أي يومُ القيامة مع ملاحظة عنوانِ جمعِ الناس له { يَوْمٌ مشْهُودٌ } أي مشهود فيه حيث يشهد فيه أهلُ السموات والأرضين فاتُسع فيه بإجراء الظرفِ مُجرى المفعولِ به كما في قوله : [ البسيط ]

[ ومشهد قد كفيت الغائبين به ] *** في محفل من نواصي الناس مشهود{[428]}

أي كثيرٌ شاهدوه ولو جُعل نفسُ اليوم مشهوداً لفات ما هو الغرضُ من تعظيم اليومِ وتهويلِه وتمييزِه عن غيره فإن سائرَ الأيام أيضاً كذلك .


[428]:البيت لأم قبيس الضبية في لسان العرب (نصا)؛ وتاج العروس (نصا)؛ وبلا نسبة في أساس البلاغة (نصو).