قوله تعالى : { أفأمنتم } بعد ذلك { أن يخسف بكم } يغور بكم { جانب البر } ناحية البر وهي الأرض ، { أو يرسل عليكم حاصباً } أي : يمطر عليكم حجارةً من السماء كما أمطر على قوم لوط . قال أبو عبيدة و القتيبي : الحاصب الريح التي ترمي بالحصباء ، وهي الحصا الصغار ، { ثم لا تجدوا لكم وكيلاً } ، قال قتادة : مانعاً .
يقول تعالى : أفحسبتم أن نخرجكم{[17665]} إلى البر أمنتم من انتقامه وعذابه !
{ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا } ، وهو : المطر الذي فيه حجارة . قاله مجاهد ، وغير واحد ، كما قال تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ{[17666]} حَاصِبًا إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ } [ القمر : 34 ] وقد قال في الآية الأخرى : { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ }{[17667]} [ هود : 82 ] وقال : { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } [ الملك : 16 ، 17 ] .
وقوله : { ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا } أي : ناصرًا يرد ذلك عنكم ، وينقذكم منه [ والله سبحانه وتعالى أعلم ]{[17668]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً } .
يقول تعالى ذكره : أَفَأمنْتِم أيها الناس من ربكم ، وقد كفرتم نعمته بتنجيته إياكم من هول ما كنتم فيه في البحر ، وعظيم ما كنتم قد أشرفتم عليه من الهلاك ، فلما نجاكم وصرتم إلى البرّ كفرتم ، وأشركتم في عبادته غيره أنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ البَرّ يعني ناحية البرّ أوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا يقول : أو يمطركم حجارة من السماء تقتلكم ، كما فعل بقوم لوط ثُمّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكيلاً يقول : ثم لا تجدوا لكم ما يقوم بالمدافعة عنكم من عذابه وما يمنعكم منه . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : أفأمِنْتُمْ أن يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ البَرّ أوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا يقول : حجارة من السماء ثُمّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً : أي منعة ولا ناصرا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله : أفأمِنْتُمْ أنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ البَرّ أوْ يُرْسلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا قال : مطر الحجارة إذا خرجتم من البحر .
وكان بعض أهل العربية يوجه تأويل قوله أوْ يُرْسلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا إلى : أو يرسل عليكم ريحا عاصفا تحصب ، ويستشهد لقوله ذلك بقول الشاعر :
مُسْتَقْبِلينَ شَمالَ الشّامِ تَضْرِبُنا *** بِحاصِبٍ كَنَدِيفِ القُطْنِ مَنْثُورِ
وأصل الحاصب : الريح تحصب بالحصباء الأرض فيها الرمل والحصى الصغار . يقال في الكلام : حصب فلان فلانا : إذا رماه بالحصباء . وإنما وُصفت الريح بأنها تحصب لرميها الناس بذلك ، كما قال الأخطل :
ولَقَدْ عَلمْتُ إذَا العِشارُ تَرَوّحَتْ *** هُدْجَ الرّئالِ تَكبّهُنّ شَمالاً
تَرْمي العضاَهُ بِحاصِبٍ مِنْ ثَلْجها *** حتى يَبِيتَ عَلى العِضَاهِ جِفالا
تفريع على جملة { أعرضتم } [ الإسراء : 67 ] ، وما بينهما اعتراض ، وفرع الاستفهام التوبيخي على إعراضهم عن الشكر وعودهم إلى الكفر .
والخسف : انقلاب ظاهر الأرض في باطنها من الزلزال . وتقدم في قوله : { أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض } في سورة [ النحل : 45 ] .
وفي هذا تنبيه على أن السلامة في البر نعمة عظيمة تنسونها فلو حدث لكم خسف لهلكتم هلاكاً لا نجاة لكم منه بخلاف هول البحر . ولكن لما كانت السلامة في البر غيرَ مُدرك قدرُها قلَّ أن تشعر النفوس بنعمتها وتشعر بخطر هول البحر فينبغي التدرب على تذكر نعمة السلامة من الضر ثم إن محل السلامة معرض إلى الأخطار .
والاستفهام بقوله : { أفأمنتم } إنكاري وتوبيخي .
والجانب : هو الشق . وجعل البر جانباً لإرادة الشق الذي ينجيهم إليه ، وهو الشاطىء الذي يرسون عليه ، إشارة إلى إمكان حصول الخوف لهم بمجرد حلولهم بالبر بحيث يخسف بهم ذلك الشاطىء ، أي أن البر والبحر في قدرة الله تعالى سيان ، فعلى العاقل أن يستوي خوفه من الله في البر والبحر . وإضافة الجانب إلى البر إضافة بيانية .
والباء في { يخسف بكم } لتعدية { يخسف } بمعنى المصاحبة .
والحاصب : الرامي بالحصباء ، وهي الحجارة . يقال : حصبه ، وهو هنا صفة ، أي يرسل عليكم عارضاً حاصباً ، تشبيهاً له بالذي يرمي الحصباء ، أي مطر حجارةٍ ، أي بَرَد يشبه الحجارة ، وقيل : الحاصب هنا بمعنى ذي الحصباء ، فصوغ اسم فاعل له من باب فاعل الذي هو بمعنى النسب مثل لاَبِنٍ و تَامِرٍ .
والوكيل : الموكل إليه القيامُ بمهم موكله ، والمدافع عن حق موكله ، أي لا تجدوا لأنفسكم من يجادلنا عنكم أو يطالبنا بما ألحقناه بكم من الخسف أو الإهلاك بالحاصب ، أي لا تجدوا من قومكم وأوليائكم من يثأر لكم كشأن من يلحقه ضر في قومه أن يدافِع عنه ويطالب بدمه أولياؤُه وعصابتُه . وهذا المعنى مناسب لما يقع في البر من الحدثان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.