قوله تعالى : { قالوا نريد } ، أي إنما سألنا لأنا نريد { أن نأكل منها } ، أكل تبرك لا أكل حاجة . فنستيقن قدرته .
قوله تعالى : { وتطمئن } ، وتسكن .
قوله تعالى : { قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا } ، بأنك رسول الله ، أي : نزداد إيماناً ويقيناً ، وقيل : إن عيسى عليه السلام أمرهم أن يصوموا ثلاثين يوماً ، فإذا أفطروا لا يسألون الله شيئاً إلا أعطاهم ، ففعلوا وسألوا المائدة ، وقالوا : { ونعلم أن قد صدقتنا } في قولك ، إنا إذا صمنا ثلاثين يوماً لا نسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطانا .
قوله تعالى : { ونكون عليها من الشاهدين } لله بالوحدانية والقدرة ، ولك بالنبوة والرسالة ، وقيل : ونكون من الشاهدين لك عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم .
{ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا } أي : نحن محتاجون إلى الأكل منها { وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا } إذا شاهدنا نزولها رزقًا لنا من السماء { وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا } أي : ونزداد إيمانًا بك وعلمًا برسالتك ، { وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ } أي : ونشهد أنها آية من عند الله ، ودلالة وحجة على نبوتك وصدق ما جئت به .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشّاهِدِينَ } . .
يعني تعالى ذكره بذلك : قال الحواريون مجيبي عيسى على قوله لهم : " اتّقُوا اللّهَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " في قولكم " هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبّكَ أنْ يُنَزّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السّماءِ " : أنّا إنما قلنا ذلك وسألناك أن تسأل لنا ربنا لنأكل من المائدة ، فنعلم يقينا قدرته على كلّ شيء ، " وتَطْمَئِنّ قُلُوبُنا " يقول : وتسكن قلوبنا وتستقرّ على وحدانيته وقدرته على كلّ ما شاء وأراد ، ونعلم أن قد صدقتنا ، ونعلم أنك لم تكذّبنا في خبرك أنك لله رسول مرسل ونبيّ مبعوث . " ونَكُونَ عَلَيْها " يقول : ونكون على المائدة ، " مِنَ الشّاهِدِينَ " يقول : ممن يشهد أن الله أنزلها حجة لنفسه علينا في توحيده وقدرته على ما شاء ولك على صدقك في نبوّتك .
{ قالوا نريد أن نأكل منها } تمهيد عذر وبيان لما دعاهم إلى السؤال وهو أن يتمتعوا بالأكل منها . { وتطمئن قلوبنا } بانضمام علم المشاهدة إلى علم الاستدلال بكمال قدرته سبحانه وتعالى . { ونعلم أن قد صدقتنا } في ادعاء النبوة ، أو أن الله يجيب دعوتنا . { ونكون عليها من الشاهدين } إذا استشهدتنا أو من الشاهدين للعين دون السامعين للخبر .
{ قال عيسى ابن مريم } لما رأى أن لهم غرضا صحيحا في ذلك ، أو أنهم لا يقلعون عنه فأراد إلزامهم الحجة بكمالها .
أجابوه عن ذلك بأنّهم ما أرادوا ذلك لضعف في إيمانهم إنّما أرادوا التيمّن بأكل طعام نزل من عند الله إكراماً لهم ، ولذلك زادوا { منها } ولم يقتصروا على { أن نأكل } إذ ليس غرضهم من الأكل دفع الجوع بل الغرض التشرّف بأكل من شيء نازل من السماء .
وهذا مثل أكل أبي بكر من الطعام الذي أكَل منه ضيفه في بيته حين انتظروه بالعشاء إلى أن ذهب جزء من الليل ، وحضر أبو بكر وغضب من تركهم الطعام ، فلمّا أخذوا يطعمون جعل الطعام يربو فقال أبو بكر لزوجه : ما هذا يا أختَ بني فِراس . وحمل من الغد بعض ذلك الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل منه .
ولذلك قال الحواريّون : { وتطمئنّ قلوبنا } أي بمشاهدة هذه المعجزة فإنّ الدليل الحسي أظهر في النفس ، { ونعلم أن قد صدقتنا } ، أي نعلم علم ضرورة لا علم استدلال فيحصل لهم العلمان ، { ونكون عليها من الشاهدين } ، أي من الشاهدين على رؤية هذه المعجزة فنبلّغها من لم يشهدها . فهذه أربع فوائد لسؤال إنزال المائدة ، كلّها درجات من الفضل الذي يرغب فيه أمثالهم .
وتقديم الجارّ والمجرور في قوله { عليها من الشاهدين } للرعاية على الفاصلة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.