الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا وَتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا وَنَكُونَ عَلَيۡهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (113)

وقرأ الجمهور : { ونَعْلَمَ } : و " نكون " بنون المتكلم مبنياً للفاعل ، و قرأ ابن جبير - فيما نقله عنه ابن عطية - " وتُعْلَم " بضم التاء على أنه مبني للمفعول ، والضميرُ عائدٌ على القلوب أي : وتُعْلَمَ قلوبُنا ، ونُقل عنه " ونُعْلَم " بالنون مبنياً للمفعول ، وقرئ : " يُعْلم " بالياء مبنياً للمفعول ، والقائمُ مقام الفاعل : " أَنْ قد صدقتنا " أي : ويُعْلَمَ صِدْقُك لنا ، ولا يجوز أن يكونَ الفعلُ في هذه القراءةِ مسنداً لضميرِ القلوب لأنه جارٍ مَجْرى المؤنثِ المجازي ، ولا يجوزُ تذكيرُ فعلِ ضميرِه . وقرأ الأعمش : و " تَعْلَم " بتاء والفعل مبني للفاعل ، وهو ضمير القلوب ، ولا يجوزُ أن تكونَ التاءُ للخطاب لفسادِ المعنى ، ورُوي : " وتِعْلَم " بكسر حرف المضارعة ، والمعنى على ما تقدَّم وقُرئ : و " تَكون " بالتاء والضمير للقلوب .

وأَنْ " في " أَنْ قد صَدَقْتَنا " مخففةٌ واسمُها محذوفٌ ، و " قد " فاصلةٌ لأنَّ الجملة الواقعةَ خبراً لها فعليةٌ متصرفةٌ غيرُ دعاءٍ ، وقد عَرَفْتَ ذلك مما تقدم في قوله :

{ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ } [ المائدة : 71 ] ، و " أن " وما بعده سادَّةٌ مسدَّ المفعولين أو مسدَّ الأول فقد والثاني محذوف . و " عليها " متعلقٌ بمحذوف يَدُلُّ عليه " الشاهدين " ولا يتعلَّقُ بما بعده لأن " أل " لا يَعْمل ما بعدَها فيما قبلَها عند الجمهورِ ، ومَنْ يُجيز ذلك يقول : " هو متعلقٌ بالشاهدين ، قُدِّم للفواصل " . وأجاز الزمخشري أن تكونَ " عليها " حالاً فإنه قال : " أو نكونُ من الشاهدين لله بالواحدنية ولك بالنبوةِ عاكفين عليها ، على أن " عليها " في موضع الحال " قلت : قوله " عاكفين " تفسيرُ معنىً ؛ لأنه لا يُضْمر في هذه الأماكن إلا الأكوانُ المطلقة ، وبهذا الذي قلته لا يَرد عليه ما قاله الشيخ فإنه غاب عليه ذلك ، وجعله متناقضاً من حيث إنه لَمَّا علَّقه ب " عاكفين " كان غير حال ؛ لأنه إذا كان حالاً تعلَّق بكون مطلق ، ولا أدري ما معنى التناقض وكيف يَتَحَمَّلُ عليه إلى هذا الحَدِّ ؟