الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا وَتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا وَنَكُونَ عَلَيۡهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (113)

قوله تعالى : " قالوا نريد أن نأكل منها " نصب بأن " وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين " عطف كله بينوا به سبب سؤالهم حين نهوا عنه . وفى قولهم : " نأكل منها " وجهان : أحدهما : أنهم أرادوا الأكل منها لحاجة الداعية إليها ، وذلك أن عيسى عليه السلام كان إذا خرج اتبعه خمسة آلاف أو أكثر ، بعضهم كانوا أصحابه وبعضهم كانوا يطلبون منه أن يدعو لهم لمرض كان بهم أو علة إذ كانوا زمنى أو عميانا وبعضهم كانوا ينظرون ويستهزئون فخرج يوما إلى موضع فوقعوا في مفازة ولم يكن معهم نفقة فجاعوا وقالوا للحواريين : قولوا لعيسى حتى يدعو بأن تنزل علينا مائدة من السماء ، فجاءه شمعون رأس الحواريين وأخبره أن الناس يطلبون بأن تدعو بأن تنزل عليهم مائدة من السماء ، فقال عيسى لشمعون : " قل لهم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " فأخبر بذلك شمعون القوم فقالوا له : قل له : " نريد أن نأكل منها " الآية . الثاني : " نأكل منها " لننال{[6155]} بركتها لا لحاجة دعتهم إليها ، قال الماوردي : وهذا أشبه ؛ لأنهم لو احتاجوا لم ينهوا عن السؤال وقولهم{[6156]} : " وتطمئن قلوبهم " يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها : تطمئن إلى أن الله تعالى بعثك إلينا نبيا . الثاني : تطمئن إلى أن الله تعالى قد اختارنا لدعوتنا{[6157]} . الثالث : تطمئن إلى أن الله تعالى قد أجابنا إلى ما سألنا ، ذكرها الماوردي . وقال المهدوي : أي تطمئن بأن الله قد قبل صومنا وعملنا قال الثعلبي : نستيقن قدرته فتسكن قلوبنا . " ونعلم أن قد صدقتنا " بأنك رسول الله " ونكون عليها من الشاهدين " لله بالوحدانية ، ولك بالرسالة والنبوة . وقيل : " ونكون عليها من الشاهدين " لك عند من لم يرها إذا رجعنا إليهم .


[6155]:في ع: فننال.
[6156]:من ك.
[6157]:كذا في ك وفي البحر: أعوانا لك، وفي ب و ج و ي: لدعوانا. وفي ع: لندعو. وفي هـ: لدعائنا.