أي : أكْلُ تبرُّكٍ ، لا أكْلُ حَاجَةٍ ، وقال الماوردِي{[12951]} : لأنَّهم لما احْتَاجُوا لم يُنْهَوا عن السُّؤال ، وقيل : أرَادُوا الأكْلَ للحَاجَةِ .
وقوله : " وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا " أي : إنَّا وإنْ عَلِمْنَا قُدْرةَ الله تعالى بالدَّليل ، ولكنَّا إن شاهدنا نُزُولَ هذه المَائِدة ازداد اليقين ، وقويت الطُّمَأنِينَةُ .
وقيل : المَعْنَى إنَّا وإن عَلِمْنَا صِدْقَكَ بِسَائِر المُعْجِزَات ، ولكن إذا شَاهَدْنَا هذه المُعْجِزَة ازدَادَ اليَقِينُ والعِرْفَان ، وهذا مَعْنَى قوله : { وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا } : أنَّك رَسُولُ اللَّهِ .
قيل : إنَّ عيسَى ابن مَرْيم أمَرَهُمْ أن يَصُومُوا ثلاثين يَوْماً ، فإذا أفْطَرُوا لا يَسْألُون الله شيئاً إلاَّ أعْطَاهُمْ ، ففعلوا وسألُوه المَائِدَةَ ، وقالوا : { نَعْلَمَ أن قَدْ صَدَقْتَنَا } في قولك : " إنَّا إذا صُمْنَا ثلاثين يَوْماً لا نَسْألُ الله شَيْئاً إلاَّ أعْطَانَا " .
وقيل : إنَّ جميعَ المُعْجِزَات التي أوْرَدْتَهَا كانت مُعْجَزَات أرْضِيَّة ، وهذه سَمَاوِيَّة ، وهي أعْجَبُ وأعْظَمُ ، { وَنَكُون عليها من الشَّاهدين } نَشْهَدُ عليها عِنْد الذين لم يَحْضُرُوها من بَنِي إسرائيل ، ويَكُونُوا شَاهِدِين لله تعالى بِكَمَال القُدْرَة .
وقرأ الجمهور : " وَنَعْلَمَ " : و " نَكُون " بنون المتكلم مبنيًّا للفاعل ، وقرأ{[12952]} ابن جُبَيْر - رضي الله عنه - فيما نقله عنه ابن عطيَّة - " وتُعْلَم " بضمِ التاء على أنه مبنيٌّ للمفعول ، والضميرُ عائدٌ على القلوب ، أي : وتُعْلَمَ قُلُوبُنَا ، ونُقِلَ عنه " وَنُعْلَمَ " بالنون مبنيًّا للمفعول ، وقرئ{[12953]} : " وَيُعْلَمَ " بالياء مبنيًّا للمفعول ، والقائمُ مقام الفاعل : { أَن قَدْ صَدَقْتَنَا } أي : ويُعْلَمَ صِدْقُكَ لنا ، ولا يجوزُ أن يكُون الفعلُ في هذه القراءةِ مسنداً لضميرِ القلوبِ ؛ لأنه جارٍ مَجْرَى المؤنَّثِ المجازيِّ ، ولا يجوزُ تذكيرُ فِعْلِ ضميره ، وقرأ الأعمشُ : [ " وتَعْلَمَ " ] بتاءٍ والفعلُ مبنيٌّ للفاعل ، وهو ضمير القُلُوبِ ، ولا يجوزُ أن تكون التاءُ للخطاب ؛ لفسادِ المعنى ، وروي{[12954]} : " وتِعْلَمَ " بكسر حرف المضارعة ، والمعنى على ما تقدَّم ، وقُرِئ{[12955]} : " وتكونَ " بالتاء والضمير للقلوب .
و " أنْ " في { أَن قَدْ صَدَقْتَنَا } مخفَّفةٌ ، واسمُها محذوفٌ ، و " قَدْ " فاصلةٌ ؛ لأنَّ الجملة الواقعةَ خبراً لها فعليةٌ متصرِّفةٌ غيرُ دُعَاءٍ ، وقد عُرِفَ ذلك مما تقدَّم في قوله : { أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ } [ المائدة : 71 ] ، و " أنْ " وما بعدها سادَّةٌ مسدَّ المفعولَيْن ، أو مَسَدَّ الأول فقط ، والثاني محذوفٌ ، و " عَلَيْهَا " متعلِّقٌ بمحذوفٍ يَدُلُّ عليه " الشَّاهدين " ، ولا يتعلَّقُ بما بعده ؛ لأن " ألْ " لا يَعْمَلُ ما بعدها فيما قبلها عند الجمهور ، ومنْ يُجِيزُ ذلك يقول : " هو متعلِّقٌ بالشاهدينَ ، قُدِّم للفواصِل " . وأجاز الزمخشريُّ أن تكون " عَلَيْهَا " حالاً ؛ فإنه قال : " أو نَكُونَ من الشاهدينَ لله بالوحدانيَّة ، ولك بالنبوَّةِ عاكِفِينَ عليها ، على أن " عَلَيْهَا " في موضع الحال " فقوله " عَاكِفينَ " تفسيرُ معنًى ؛ لأنه لا يُضْمَرُ في هذه الأماكن إلا الأكوانُ المطلقة . وقرأ اليمانيُّ{[12956]} : " وإنَّهُ " ب " إنَّ " المشدَّدة ، والضميرُ : إما للعيد ، وإما للإنزال .
وبهذا لا يَرِدُ عليه ما قاله أبو حيان - رحمه الله تعالى - فإنه غابَ عليه ذلك ، وجعله متناقِضاً ؛ من حيث إنه لَمَّا عَلَّقَهُ ب " عَاكِفِينَ " كان غيْرَ حال ؛ لأنه إذا كان حالاً ، تعلَّقَ بكون مُطْلَقٍ ولا أدْرِي ما معنى التناقُض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.