الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا وَتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا وَنَكُونَ عَلَيۡهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (113)

ولمَّا خاطبهم عليه السلام بهذه المخاطَبَة ، صرَّحوا بمقاصدهم الَّتي حملَتْهم على طَلَب المائدةِ ، فقالوا : { نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا } ، فنَشْرُفَ في العالَم ، { وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا } ، أي : تسكُنَ فِكرُنَا في أمرك بالمعايَنَةِ لأَمْرٍ نازلٍ من السماء بأعيننا ، { وَنَعْلَمَ } علْمَ الضرورةِ والمشاهدةِ ، { أَن قَدْ صَدَقْتَنَا } ، فلا تَعْرِضُنا الشُّبَهُ التي تَعْرِضُ في عِلْم الاستدلالِ ، وهذا يؤيِّد أنَّ مقالتهم كانَتْ في مبدأ أَمْرهم ، ثم استمروا على إيمانهم ، وصَبَرُوا ، وهَلَكَ مَنْ كَفَر ، وقولهم : { وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشاهدين }[ المائدة :113 ] أي : من الشاهدينَ بهذه النازلةِ ، النَّاقلين لها إلى غيرنا الدَّاعين إلى هذا الشَّرْع ، بسببها ، ورُوِيَ أن الذي نَحَا بهم هذا المنحى مِنَ الاقتراح ، هو أنَّ عيسى قال لهم مرَّةً : ( هَلْ لَكُمْ فِي صِيَامِ ثَلاَثِينَ يَوْماً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ ؟ ثُمَّ إنْ سَأَلْتُمُوهُ حَاجَةً ، قَضَاهَا ، ) فَلَمَّا صَامُوهَا ، قَالُوا : يا معلِّم الخَيْر ، إنَّ حقَّ مَنْ عمل عملاً أنْ يُطْعَمَ ، فَهَلْ يستطيعُ ربُّكَ ؟ ، فأرادوا أنْ تكون المائدةُ عِيدَ ذلك الصَّوْم .