الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا وَتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا وَنَكُونَ عَلَيۡهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (113)

قوله : { إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع }{[18719]} الآية [ 114 – 115 ] .

روي{[18720]} عن ابن عامر{[18721]} : ( الحواريون ) بالتخفيف ، استخفافا ، والتشديد هو الأصل .

ومعنى الآية : أنهم سألوا ذلك ليثبتوا{[18722]} في صدقه{[18723]} ، كما قال إبراهيم { ربي أرني كيف تحيي الموتى }{[18724]} .

وقيل : إنهم إنما سألوا ( هذا ){[18725]} قبل أن يعلموا أن عيسى يبرئ الأكمه ، ويحيي الموتى ، فسألوه آية{[18726]} .

ومعنى : { هل يستطيع ربك أن ينزل } ، أي : ينزل علينا ربك مائدة ، كما تقول للرجل : ( أتستطيع أن تنهض معي في كذا ؟ ) ، وأنت تعلم أنه مستطيع ، وإنما تريد : ( أتنهض معي في كذا ؟ ){[18727]} .

وقيل : معناه : هل يستجيب لك ربك إن سألته ؟ {[18728]} .

وقال الحسن : المعنى : هل ربك فاعل ربنا ذلك ؟ {[18729]} والعرب تقول : ( ما أستطيع ذلك ) ، أي : ما أنا فاعل ذلك ، وهو يستطيع{[18730]} .

وقيل : إنهم سألوه قبل أن يكونوا مؤمنين محققين{[18731]} ، ثم آمنوا بعد ذلك ، ودل على ذلك استعظام{[18732]} عيسى لقولهم ، وقوله لهم : { اتقوا الله إن كنتم مومنين }{[18733]} .

قال ابن شهاب : قال ابن عباس : قال عيسى لبني إسرائيل : هل لكم ان تصوموا لله ثلاثين يوما ، ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم ، فإن أجر العامل على من عمل له ! ، [ ففعلوا ثم قالوا : يا معلم الخير ، قلت لنا{[18734]} : ( إن أجر العامل على من عمل له ) ]{[18735]} ، وأمرتنا أن نصوم{[18736]} ثلاثين يوما ، ففعلنا ، ولم نكن{[18737]} نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا{[18738]} – حين نفرغ – طعاما ، فهل يستطيع ربك أن ينزّل / علينا مائدة من السماء ؟ ، فقال عيسى : { اتقوا الله أن كنتم مومنين } ، فاعتذروا بقولهم : { نريد أن ناكل منها وتطمئن قلوبنا }{[18739]} أي : بنبوتك{[18740]} ، ونعلم صدقك ، فأقبلت{[18741]} الملائكة تطير بمائدة من السماء ، عليها سبعة ( أرغفة وسبعة أحوات ){[18742]} حتى وضعتها بين أيديهم ، فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم{[18743]} .

قال السدي المعنى : ( هل يطيعك{[18744]} ربك إن سألته ){[18745]} .

وقرأه الكسائي{[18746]} بالتاء{[18747]} ، ونصب ( ربَّك ){[18748]} ، ومعناها : أن الحواريين لم يكونوا شاكين ، إنما قالوا لعيسى : هل تستطيع أنت ذلك ؟ {[18749]} .

قالت عائشة : كان الحواريون لا يشكون أن الله قادر على أن ينزل عليهم مائدة{[18750]} .

( و ){[18751]} روي عنها أنها قالت : كان الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا : { هل يستطيع ربك }{[18752]} .

( و ){[18753]} تقدير قراءة الكسائي : هل تستطيع مسألة ربك أن ينزل علينا مائدة{[18754]} .

والمائدة فاعلة ، من ماد فلان القوم يميدهم : إذا أطعمهم{[18755]} . قال أبو عبيدة : ( مائدة ) من العطاء ، وهي ( فاعلة ) بمعنى مفعولة{[18756]} وقال الزجاج{[18757]} : ( مائدة : فاعلة من مادَ يميد{[18758]} : إذا تحرك{[18759]} ){[18760]} ، ومنه ماد الرجل في البحر : إذا دار رأسه{[18761]} وقيل : المائدة : المطعمة{[18762]} ، كأنها الطاعمة{[18763]} .

ومعنى قوله : { اتقوا الله }{[18764]} أي : اتقوه أن تنزل{[18765]} بكم{[18766]} عقوبة ، فإن الله سبحانه لا يعجز عن شيء أراده ، فلا تَشُكّوا في قدرته{[18767]} هذا على قراءة الجماعة{[18768]} .


[18719]:ب: يستطيع ربك. ج د: يستطيع ربك أن ينزل علينا.
[18720]:ب: وروي.
[18721]:الظاهر من الطمس في (أ) أنها كما أثبت ج د: عباس. وهو عبد الله بن عامر أحد القراء السبعة. أخذ عن أبي الدرداء. وروى عنه خلاد بن يزيد. توفي سنة 118 هـ. انظر: طبقات ابن خياط 311، والغاية 1/423 – 425.
[18722]:مطموسة في أ ب: ليتستوا.
[18723]:انظر: تفسير الطبري 11/224، وحجة ابن زنجلة 241.
[18724]:البقرة: 259. وانظر: الكشف 1/423.
[18725]:ساقطة من ج د.
[18726]:القولان في (معنى الآية) احتمالان لوجه (مسألة الحواريين عيسى المائدة) في معاني الزجاج 2/221.
[18727]:انظر: معاني الأخفش 4814، وتفسير الطبري 11/219، وانظر: معاني الفراء 1/325، وحجة ابن خالويه 135، وحجة ابن زنجلة 241، والكشف 1/422.
[18728]:انظر: تفسير الطبري 11/219، وحجة ابن زنجلة 241.
[18729]:قال النحاس في إعرابه 1/529: (أي هل يفعل ذلك؟).
[18730]:انظر: أحكام القرطبي 6/364 و365.
[18731]:ب ج د: محقين.
[18732]:ب: استعصام.
[18733]:انظر: تفسير الطبري 11/220.
[18734]:ب: لما.
[18735]:ساقطة من د.
[18736]:ب: تصوم.
[18737]:ب: تكن.
[18738]:مطموسة في أ ب: أطعنا.
[18739]:كلها مطموسة إلا نادرا، مع بعض الخرم.
[18740]:المائدة: 115.
[18741]:ب: نبوتك.
[18742]:ب: فاقبلنا.
[18743]:ب ج د: أحوات وسبعة أرغفة.
[18744]:انظر: تفسير الطبري 11/222.
[18745]:د: يستطيع.
[18746]:انظر: تفسير الطبري 11/222.
[18747]:(وحده) في السبعة 249.
[18748]:د: بالتكاء.
[18749]:(واللام مدغمة في التاء) أي: في {هل يستيطع}. انظر: السبعة 249، وانظر: قراءته في إعراب النحاس 1/530، والمبسوط 189، والكشف 1/422 حيث هي قراءة رسول الله وعلي بن أبي طالب أيضا.
[18750]:انظر: تفسير الطبري 11/218 و219، وفي معاني الزجاج 2/220) فالمعنى: هل تستدعي إجابته وطاعته في أن ينزل علينا)، وانظر: الحجة على إيمان الحواريين في حجة ابن زنجلة 240 و241.
[18751]:ساقطة من ج.
[18752]:انظر: حجة ابن زنجلة 241، والكشف 1/422 وفيهما: (القوم أعلم) بدل (الحواريون أعرف).
[18753]:ساقطة من ب.
[18754]:ج د: مائدة من السماء. وانظر: معاني الفراء 1/325، ومعاني الأخفش 481، وتفسير الطبري 11/318، وإعراب النحاس 1/530، وانظر: حجة ابن خالويه 135، وحجة ابن زنجلة 341، والكشف 1/422.
[18755]:انظر: تفسير الطبري 11/243.
[18756]:انظر: مجازه 1/182 و183، ونقله الزجاج في معانيه 2/220.
[18757]:هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد النحوي، من أهل العلم والأدب والدين. توفي سنة 316 هـ سلى خلاف في ذلك. انظر: الفهرست 96 و97، والوفيات 1/49.
[18758]:ب: يميد.
[18759]:د: نحرك.
[18760]:معانيه 2/220.
[18761]:ب: واسه. والمائد في البحر: (هو الذي يدار برأسه من ريح البحر واضطراب السفينة بالأمواج) انظر: اللسان: ميد.
[18762]:انظر: تفسير الطبري 11/223.
[18763]:انظر: التفسير الكبير 12/130، واللسان: ميد.
[18764]:ج د: الله إن كنتم مؤمنين.
[18765]:مطموسة في أ. د: ينزل.
[18766]:مطموسة في أ. ج د: عليكم.
[18767]:انظر: تفسير الطبري 11/223.
[18768]:في تفسير الطبري 11/219: (وقرأ ذلك عامة قَرَأَة المدينة والعراق).