{ وما هو } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، { على الغيب } أي الوحي ، وخبر السماء وما اطلع عليه مما كان غائباً عنه من الأنباء والقصص ، { بضنين } قرأ أهل مكة والبصرة والكسائي بالظاء أي بمتهم ، يقال : فلان يظن بمال ويزن أي يتهم به : والظنة : التهمة ، وقرأ الآخرون بالضاد أي ببخيل ، يقول إنه يأتيه علم الغيب فلا يبخل به عليكم بل يعلمكم ويخبركم به ، ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلواناً ، تقول العرب : ضننت بالشيء بكسر النون أضن به ضناً وضنانةً فأنا به ضنين أي بخيل .
وقوله : { وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أي : وما محمد على ما أنزله الله إليه بظنين ، أي : بمتهم . ومنهم من قرأ ذلك بالضاد ، أي : ببخيل ، بل يبذله لكل أحد .
قال سفيان بن عُيَينة : ظنين وضنين سواء ، أي : ما هو بكاذب ، وما هو بفاجر . والظنين : المتهم ، والضنين : البخيل .
وقال قتادة : كان القرآن غيبا ، فأنزله الله على محمد ، فما ضَنّ به على الناس ، بل بَلَّغه ونشره وبذله لكل من أراده . وكذا قال عكرمة ، وابن زيد ، وغير واحد . واختار ابنُ جرير قراءة الضاد{[29794]} .
وقوله : وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة بِضَنِينٍ بالضاد ، بمعنى أنه غير بخيل عليهم بتعليمهم ما علّمه الله ، وأنزل إليه من كتابه . وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين : «بِظَنِينٍ » بالظاء ، بمعنى أنه غير متهم فيما يخبرهم عن الله من الأنباء . ذكر من قال ذلك بالضاد ، وتأوّله على ما وصفنا من التأويل من أهل التأويل :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن زِرّ «وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ » قال : الظّنين : المتهم . وفي قراءتكم : بِضَنِينٍ والضنين : البخيل ، والغيب : القرآن .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي ، قال : حدثنا مغيرة ، عن إبراهيم وَما هُوَ عَلى الْغَيْب بِضَنِينٍ ببخيل .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى : وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ قال : ما يضِنّ عليكم بما يعلم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ قال : إن هذا القرآن غيب ، فأعطاه الله محمدا ، فبذله وعلّمه ودعا إليه ، والله ما ضنّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زرّ «وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنين » قال : في قراءتنا بمتهم ، ومن قرأها بِضَنِينِ يقول : ببخيل .
حدثنا مهران ، عن سفيان وَما هُوَ على الْغَيْبِ بِضَنِينٍ قال : ببخيل .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ الغيب : القرآن ، لم يضنّ به على أحد من الناس أدّاه وبلّغه ، بعث الله به الروح الأمين جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأدّى جبريل ما استودعه الله إلى محمد ، وأدّى محمد ما استودعه الله وجبريل إلى العباد ، ليس أحد منهمّ ضَنّ ، ولا كَتَم ، ولا تَخَرّص .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن عامر وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك بالظاء ، وتأوّله على ما ذكرنا من أهل التأويل :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جُويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، أنه قرأ : «بِظَنِينٍ » قال : ليس بمتهم .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي المعلّى ، عن سعيد بن جُبير : أنه كان يقرأ هذا الحرف «وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ » فقلت لسعيد بن جُبير : ما الظنين ؟ قال : ليس بمتهم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جُبير أنه قرأ «وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ » قلت : وما الظنين : قال المتهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : «وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ » يقول : ليس بمتهم على ما جاء به ، وليس يظنّ بما أوتي .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله الواسطيّ ، قال : حدثنا المغيرة ، عن إبراهيم «وَما هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِظَنِينِ » قال : بمتهم .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن زرّ : «وَما هُوَ عَلى الْغَيْب بِظَنِينٍ » قال : الغيب : القرآن . . . وفي قراءتنا «بِظَنِينٍ » متهم .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : «بِظَنِينٍ » قال : ليس على ما أنزل الله بمتهم .
وقد تأوّل ذلك بعض أهل العربية أن معناه : وما هو على الغيب بضعيف ، ولكنه محتَمِل له مطيق ، ووجهه إلى قول العرب للرجل الضعيف : هو ظَنُون .
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب : ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة ، وإن اختلفت قراءتهم به ، وذلك بضَنِينٍ بالضاد ، لأن ذلك كله كذلك في خطوطها .
فإذا كان ذلك كذلك ، فأولى التأويلين بالصواب في ذلك تأويل من تأوّله : وما محمد على ما علّمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس ، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلّموه .
وما هو وما محمد صلى الله عليه وسلم على الغيب على ما يخبره من الموحى إليه وغيره من الغيوب بضنين بمتهم من الظنة وهي التهمة وقرأ نافع وعاصم وحمزة وابن عامر بضنين بالضاد من الضن وهو البخل أي لا يبخل بالتبليغ والتعليم والضاد من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره والظاء من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.