السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَا هُوَ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ بِضَنِينٖ} (24)

{ وما } أي : وسمعه ورآه والحال أنه ما { هو } أي : محمد صلى الله عليه وسلم { على الغيب } أي : ما غاب من الوحي وخبر السماء ، ورؤية جبريل وغير ذلك مما أخبر به . وقرأ { بضنين } ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالظاء المشالة من الظنة ، وهي التهمة ، أي : فليس بمتهم ، والباقون بالضاد موافقة للمرسوم من الضن وهو البخل ، أي : فليس ببخيل بالوحي فيزوي بعضه ، أو يسأل تعليمه فلا يعلمه كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلواناً وهو في مصحف عبد الله بالظاء ، وفي مصحف أبيّ بالضاد ، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما .

قال الزمخشري : وإتقان الفصل بين الضاد والظاء واجب ، ومعرفة مخرجيهما مما لا بدّ منه للقارئ ، فإنّ أكثر العجم لا يفرقون بين الحرفين وإن فرقوا ففرقاً غير صواب ، وبينهما بون بعيد ، فإنّ مخرج الضاد من أصل حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره ، وكان عمر بن الخطاب أضبط يعمل بكلتا يديه ، وكان يخرج الضاد من جانبي لسانه ، وهي أحد الأحرف الشجرية أخت الجيم والشين . وأمّا الظاء فمخرجها من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا ، وهي أحد الأحرف الذولقية أخت الذال والثاء ، ولو استوى الحرفان لما ثبتت في هذه الكلمة قراءتان اثنتان ، واختلاف بين جبلين من جبال العلم والقراءة ، ولما اختلف المعنى والاشتقاق والتركيب .

فإن قلت : فإن وضع المصلي أحد الحرفين مكان صاحبه ، قلت : هو كوضع الذال مكان الجيم والثاء مكان السين لأنّ التفاوت بين الضاد والظاء كالتفاوت بين أخواتهما اه . كلامه بحروفه .