قوله عز من قائل :{ قال } موسى ، { ذلك بيني وبينك } يعني : هذا الشرط بيني وبينك ، فما شرطت علي فلك وما شرطت من تزويج إحداهما فلي ، والأمر بيننا ، تم الكلام ، ثم قال : { أيما الأجلين قضيت } يعني : أي الأجلين ، وما صلة ، قضيت : أتممت وفرغت من الثمان أو العشر ، { فلا عدوان علي } لا ظلم علي بأن أطالب بأكثر منهما ، { والله على ما نقول وكيل } قال ابن عباس ومقاتل : شهيد فيما بيني وبينك . وقيل : حفيظ .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، أنبأنا محمد بن إسماعيل ، أنبأنا محمد بن عبد الرحيم ، أنبأنا سعيد بن سليمان ، أنبأنا مروان بن شجاع ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، قال : سألني يهودي من أهل الحيرة : أي الأجلين قضى موسى ؟ قلت : لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله ، فقدمت فسألت على ابن عباس ، فسألته فقال : قضى أكثرهما وأطيبهما ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل . وروي عن أبي ذر مرفوعاً : " إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى ، فقل : خيرهما وأبرهما ، وإذا سئلت : بأي المرأتين تزوج ؟ فقل : الصغرى منهما ، وهي التي جاءت ، فقالت يا أبت استأجره ، فتزوج صغراهما وقضى أوفاهما " . وقال وهب : أنكحه الكبرى . وروي عن شداد بن أوس مرفوعاً : " بكى شعيب النبي صلى الله عليه وسلم حتى عمي فرد الله عليه بصره ، ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره ، ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره ، فقال الله له : ما هذا البكاء ؟ أشوقاً إلى الجنة أم خوفاً من النار ؟ قال : لا يا رب ، ولكن شوقاً إلى لقائك ، فأوحى الله إليه إن يكن ذلك فهنيئاً لك لقائي يا شعيب ، لذلك أخدمتك موسى كليمي . ولما تعاقدا هذا العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصاً يدفع بها السباع عن غنمه ، واختلفوا في تلك العصا ، قال عكرمة : خرج آدم بها من الجنة فأخذها جبريل بعد موت آدم فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلاً فدفعها إليه . وقال آخرون : كانت من آس الجنة ، حملها آدم من الجنة فتوارثها الأنبياء ، وكان لا يأخذها غير نبي إلا أكلته ، فصارت من آدم إلى نوح ، ثم إلى إبراهيم حتى وصلت إلى شعيب ، وكانت عصا الأنبياء عنده فأعطاها موسى . وقال السدي : كانت تلك العصا استودعها إياه ملك في صورة رجل ، فأمر ابنته أن تأتيه بعصا فدخلت فأخذت العصا فأتته بها ، فلما رآها شعيب قال لها : ردي هذه العصا ، وأتيه بغيرها ، فألقتها وأرادت أن تأخذ غيرها فلا تقع في يدها إلا هي ، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات فأعطتها موسى فأخرجها موسى معه ، ثم إن الشيخ ندم وقال : كانت وديعة ، فذهب في أثره ، وطلب أن يرد العصا فأبى موسى أن يعطيه . وقال : هي عصاي ، فرضيا أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما ، فلقيهما ملك في صورة آدمي ، فحكم أن يطرح العصا فمن حملها فهي له ، فطرح موسى العصا فعالجها الشيخ ليأخذها فلم يطقها ، فأخذها موسى بيده فرفعها فتركها له الشيخ . ثم إن موسى لما أتم الأجل وسلم شعيب ابنته إليه ، قال موسى للمرأة : اطلبي من أبيك أن يجعل لنا بعض الغنم ، فطلبت من أبيها ، فقال شعيب : لكما كل ما ولدت هذا العام على غير شيتها . وقيل : أراد شعيب أن يجازي موسى على حسن رعيته إكراماً له وصلةً لابنته ، فقال له إني قد وهبت لك من الجدايا التي تضعها أغنامي هذه السنة كل أبلق وبلقاء ، فأوحى الله إلى موسى في المنام أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستسقى الأغنام ، فضرب موسى بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه فما أخطأت واحدة منها إلا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم فقال له إن ذلك رزق ساقه الله عز وجل إلى موسى وامرأته فوفى له شرطه وسلم الأغنام إليه .
وقبل موسى العرض وأمضى العقد ؛ في وضوح كذلك ودقة ، وأشهد الله :
( قال ذلك بيني وبينك . أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على . والله علي ما نقول وكيل ) .
إن مواضع العقد وشروط التعاقد لا مجال للغموض فيها ، ولا اللعثمة ، ولا الحياء . ومن ثم يقر موسى العرض ، ويبرم العقد ، على ما عرض الشيخ من الشروط . ثم يقرر هذا ويوضحه : ( أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي ) . . سواء قضيت ثماني سنوات أو أتممت عشرا ، فلا عدوان في تكاليف العمل ، ولا عدوان في تحتيم العشر ؛ فالزيادة على الثمانية اختيار . . ( والله على ما نقول وكيل ) . فهو الشهيد الموكل بالعدل بين المتعاقدين . وكفى بالله وكيلا .
بين موسى - عليه السلام - هذا البيان تمشيا مع استقامة فطرته ، ووضوح شخصيته ، وتوفية بواجب المتعاقدين في الدقة والوضوح والبيان . وهو ينوي أن يوفي بأفضل الأجلين كما فعل . فقد روي أن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أخبر أنه : " قضى أكثرهما وأطيبهما " .
وهكذا اطمأن بموسى - عليه السلام - المقام في بيت حميه ؛ وقد أمن من فرعون وكيده . ولحكمة مقدرة في علم الله كان هذا الذي كان . . فلندع الآن هذه الحلقة تمضي في طريقها حتى تنقضي . فقد سكت السياق فيها عند هذا الحد وأسدل الستار . .
{ قال ذلك بيني وبينك } أي ذلك الذي عاهدتني فيه قائم بيننا لا نخرج عنه . { أيما الأجلين } أطولهما أو أقصرهما . { قضيت } وفيتك إياه . { فلا عدوان علي } لا تعتدي علي بطلب الزيادة فكما لا أطالب بالزيادة على العشر لا أطالب بالزيادة على الثمان ، أو فلا أكون متعديا بترك الزيادة عليه كقولك لا إثم علي ، وهو أبلغ في إثبات الخيرة وتساوي الأجلين في القضاء من أن يقال إن قضيت الأقصر فلا عدوان علي . وقرئ { أيما } كقوله :
تنظرت نصرا والسماكين أيما *** علي من الغيث استهلت مواطره
وأي الأجلين ما قضيت فتكون ما مزيدة لتأكيد الفعل أي : أي الأجلين جردت عزمي لقضائه ، وعدوان بالكسر . { والله على ما نقول } من المشارطة . { وكيل } شاهد حفيظ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.