البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَۖ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ} (28)

قال موسى : { ذلك بيني وبينك } ، على جهة التقدير والتوثق في أن الشرط إنما وقع في ثماني حجج .

وذلك مبتدأ أخبره بيني وبينك ، إشارة إلى ما عاهده عليه ، أي ذلك الذي عاهدتني وشارطتني قائم بيننا جميعاً لا نخرج عنه ، ثم قال : { أيما الأجلين } ، أي الثماني أو العشر ؟ { فلا عدوان عليّ } : أي لا يعتدى عليّ في طلب الزيادة ، وأي شرط ، وما زائدة .

وقرأ الحسن ، والعباس ، عن أبي عمرو : أيما ، بحذف الياء الثانية ، كما قال الشاعر :

تنظرت نصراً والسماكين أيما *** علي من الغيث استهلت مواطره

وقرأ عبد الله : أي الأجلين ما قضيت ، بزيادة ما بين الأجلين وقضيت .

قال الزمخشري فإن قلت : ما الفرق بين موقع ما المزيدة في القراءتين ؟ قلت : وقعت في المستفيضة مؤكدة الإبهام ، أي زائدة في شياعها وفي الشاذ ، تأكيداً للقضاء ، كأنه قال : أي الأجلين صممت على قضائه وجردت عزيمتي له ؟ وقرأ أبو حيوة ، وابن قطيب : فلا عدوان ، بكسر العين .

قال المبرد : قد علم أنه لا عدوان عليه في أتمهما ، ولكن جمعهما ، ليجعل الأول كالأتم في الوفاء .

وقال الزمخشري : تصور العدوان إنما هو في أحد الأجلين الذي هو أقصر ، وهو المطالبة بتتمة العشر ، فما معنى تعليق العدوان بهما جميعاً ؟ قلت : معناه : كما أني إن طولبت بالزيادة على العشر ، كان عدواناً لا شك فيه ، فكذلك إن طولبت في الزيادة على الثماني .

أراد بذلك تقرير الخيار ، وأنه ثابت مستقر ، وأن الأجلين على السواء ، إما هذا ، وإما هذا من غير تفاوت بينهما في القضاء .

وأما التتمة فموكولة إلى رأيي ، إن شئت أتيت بها وإلا لم أجبر عليها .

وقيل : معناه فلا أكون متعدياً ، وهو في نفي العدوان عن نفسه ، كقولك : لا إثم عليّ ولا تبعة .

انتهى ، وجوابه الأول فيه تكثير .

{ والله على ما نقول } : أي على ما تعاهدنا عليه وتواثقنا ، { وكيل } : أي شاهد .

وقال قتادة : حفيظ .

وقال ابن شجرة : رقيب ، والوكيل الذي وكل إليه الأمر ، فلما ضمن معنى شاهد ونحوه عدى بعلى .