الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَۖ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ} (28)

{ ذلك } مبتدأ ، و { بَيْنِى وَبَيْنَكَ } خبره ، وهو إشارة إلى ما عاهده عليه شعيب ، يريد . ذلك الذي قلته وعاهدتني فيه وشارطتني عليه قائم بيننا جميعاً ، لا نخرج كلانا عنه ، لا أنا عما شرطت عليّ ولا أنت عما شرطت على نفسك . ثم قال : أي أجل من الأجلين قضيت : أطولهما الذي هو العشر ، أو أقصرهما الذي هو الثمان { فَلاَ عُدْوَانَ عَلَىَّ } أي لا يعتدي عليّ في طلب الزيادة عليه .

فإن قلت : تصوّر العدوان إنما هو في أحد الأجلين الذي هو الأقصر وهو المطالبة بتتمة العشر ، فما معنى تعليق العدوان بهما جميعاً ؟ قلت : معناه كما أني إن طولبت بالزيادة على العشر كان عدواناً لا شك فيه ، فكذلك إن طولبت بالزيادة على الثمان . أراد بذلك تقرير أمر الخيار ، وأنه ثابت مستقرّ ، وأن الأجلين على السواء : إما هذا وإما هذا من غير تفاوت بينهما في القضاء وأما التتمة فموكولة إلى رأيي : إن شئت أتيت بها ، وإلا لم أجبر عليها .

وقيل : معناه فلا أكون متعدّياً ، وهو في نفي العدوان عن نفسه ، كقولك : لا إثم عليّ ، ولا تبعة عليّ . وفي قراءة ابن مسعود : أي الأجلين ما قضيت . وقرىء : «أيما » بسكون الياء ، كقوله :

تنَظَّرْتُ نَصْراً وَالسِّمَاكَيْنِ أَيْهُمَا *** عَلَيَّ مِنَ الْغَيْثِ اسْتُهِلَّتْ مَوَاطِرُهْ

وعن ابن قطيب : عدوان ، بالكسر .

فإن قلت : ما الفرق بين موقعي ( ما ) المزيدة في القراءتين ؟ قلت : وقعت في المستفيضة مؤكدة لإبهام ، أيّ : زائدة في شياعها : وفي الشاذة تأكيداً للقضاء ، كأنه قال : أي الأجلين صممت على قضائه وجردت عزيمتي له . الوكيل : الذي وكل إليه الأمر ، ولما استعمل في موضع الشاهد والمهيمن والمقيت ، عدي بعلى لذلك . روي أنّ شعيباً كانت عنده عصى الأنبياء فقال لموسى بالليل : ادخل ذلك البيت فخذ عصا من تلك العصي . فأخذ عصا هبط بها آدم من الجنة ، ولم يزل الأنبياء يتوارثونها حتى وقعت إلى شعيب ، فمسها وكان مكفوفاً ، فضنّ بها فقال : غيرها ، فما وقع في يده إلا هي سبع مرات ، فعلم أنّ له شأناً . وقيل : أخذها جبريل بعد موت آدم فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلاً . وقيل : أودعها شعيباً ملك في صورة رجل ، فأمر بنته أن تأتيه بعصا ، فأتته بها فردها سبع مرّات فلم يقع في يدها غيرها ، فدفعها إليه ثم ندم لأنها وديعة ، فتبعه فاختصما فيها ، ورضيا أن يحكم بينهما أوّل طالع ، فأتاهما الملك فقال : ألقياها فمن رفعها فهي له ، فعالجها الشيخ فلم يطقها ؛ ورفعها موسى . وعن الحسن : ما كانت إلا عصا من الشجر اعترضها اعتراضاً . وعن الكلبي : الشجرة التي منها نودي شجرة العوسج ، ومنها كانت عصاه . ولما أصبح قال له شعيب : إذا بلغت مفرق الطريق فلا تأخذ على يمينك ، فإنّ الكلأ وإن كان بها أكثر ، إلا أنّ فيها تنيناً أخشاه عليك وعلى الغنم ، فأخذت الغنم ذات اليمين ولم يقدر على كفها ، فمشى على أثرها فإذا عشب وريف لم ير مثله ، فنام فإذا بالتنين قد أقبل ، فحاربته العصا حتى قتلته وعادت إلى جنب موسى دامية ، فلما أبصرها دامية والتنين مقتولاً أرتاح لذلك ، ولما رجع إلى شعيب مسّ الغنم ، فوجدها ملأى البطون غزيرة اللبن ، فأخبره موسى ففرح وعلم أنّ لموسى والعصا شأنا ، وقال له : إني وهبت لك من نتاج غنمي هذا العام كلّ أدرع ودرعاء ، فأوحى إليه في المنام : أن أضرب بعصاك مستقى الغنم ، ففعل ؛ ثم سقى فما أخطأت واحدة إلا وضعت أدرع ودرعاء ، فوفى له بشرطه .