قوله : «ذَلِكَ » مبتدأ ، والإشارة به إلى ما تعاقدا{[40130]} عليه ، والظرف خبره{[40131]} ، وأضيفت «بَيْنَ » لمفرد لتكررها عطفاً بالواو ، فإن قلت : المالُ بَيْن زيد فعمرو لم يجز ، وأما قوله :
3989 - بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ{[40132]} *** . . .
فكان{[40133]} الأصمعي يأباها ، ويروي «وحومل » بالواو ، والصحيح بالفاء ، وأول البيت على أن الدَّخُول وحَوْمَل مكانان كل منهما مشتمل على أماكن ، نحو قولك : دارِي بين مصر ، لأنه يريد به المكان الجامع{[40134]} ، والأصل ذلك بيننا ففرق بالعطف .
قوله : «أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ » أي شرطية وجوابها «فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ »{[40135]} . وفي «مَا » هذه قولان :
أشهرهما : أنها زائدة{[40136]} ، كزيادتها في أخواتها من أدوات الشرط .
والثاني : أنها نكرة ، و «الأَجَلَيْنِ » بدل منها{[40137]} .
وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية «أَيْمَا » بتخفيف الياء{[40138]} كقوله :
3990 - تَنَظَّرْتُ نَسْراً والسِّمَاكَيْنِ أَيْهُمَا *** . . . عَلَيَّ مِنَ الغَيْثِ اسْتَهَلَّتْ مَوَاطِرُه{[40139]}
وقرأ عبد الله { أيَّ الأَجَلَيْنِ مَا قَضَيْت } بإقحام «مَا » بين «الأَجَلَيْن » و «قَضَيْتُ »{[40140]} .
قال الزمخشري{[40141]} : فإن قلت : ما الفرق بين موقع زيادة «مَا »{[40142]} في القراءتين{[40143]} ؟ قلت : وقعت في المستفيضة مؤكدة لإبهام ، «أَيْ » زيادة في شياعها ، وفي الشاذة تأكيداً للقضاء كأنَّه قال : أي الأجلين صمَّمْت على قضائه وجرَّدتُ عزيمتي له{[40144]} .
وقرأ أبو حيوة وابن قُطَيب «عِدْوانَ »{[40145]} . قال الزمخشري : فإن قلت : تصوُّر العدوان إنما هو في أحد{[40146]} الأجلين الذي هو أقصرهما ، وهو المطالبة بتتمة العشر{[40147]} ، فما معنى تعلق العدوان بهما جميعاً ؟ قلت : معناه : كما أني إن طولبت بالزيادة على العَشْر ( كان عدواناً ){[40148]} لا شك فيه ، فكذلك إن طولبت بالزيادة على الثماني{[40149]} ، أراد بذلك تقرير أمر الخيار ، وأنه{[40150]} ثابت مستقر ، وأنَّ الأجلين على السواء إما هذا وإما هذا ، ويكون اختيار الأقل والزائد موكولاً{[40151]} إلى رأيه من غير أن يكون لأحدهمَا عليه إجبار ، ثم قال : وقيل : معناه فلا أكون متعدِّياً ، وهو في نفي العدوان عن نفسه كقولك : لا إثم عليَّ ولا تبعة{[40152]} .
قال أبو حيان : وجوابه الأول فيه تكثير{[40153]} . قال شهاب الدين : كأنه أعجبه الثاني{[40154]} . والثاني{[40155]} لم يرتضه الزمخشري ، لأنه ليس جواباً في الحقيقة ، فإن السؤال باق أيضاً ، ولذلك نقله عن غيره{[40156]} ، وقال المبرد : وقد علم أنه لا عدوان عليه في أيهما ، ولكن جمعهما ليجعل الأول كالأَتَمِّ في الوفاء{[40157]} .
قال المفسرون : المعنى «أيّ الأَجَلَيْن قَضَيْتُ » أتممتُ وفرغت منه الثماني أو العشر ، { فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ } لا ظلم عليَّ بأن أطالب بأكثر { والله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } قال مقاتل{[40158]} : شهيد فيما بيني وبينك ، وقيل : حفيظ{[40159]} ، ولما استعمل الوكيل بمعنى الشاهد عُدِّي ب ( عَلَى ){[40160]} قال سعيد بن جبير : سألني يهودي من أهل الحيرة : أيَّ الأَجلينِ قَضَى مُوسَى ؟ قلت : لا أدري حتى أقدم على حَبْر العرب فأسأله ، فقدمتُ فسألتُ ابن عباس فقال : قَضَى أكثرهما وأطيبهما ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل{[40161]} .
وروي عن أبي ذر مرفوعاً «إذَا سُئِلْتَ أَيَّ الأَجَلينِ قَضَى مُوسَى ؟ فقل{[40162]} خيرهُما وأبرَّهما ، وإذا سئلت أيَّ المرأتين تزوَّج موسى ؟ فقل الصغرى منهما{[40163]} ، وهي التي جاءت فقالت : { يا أبت استأجره } فتزوج صغراهما ، وقضى أوفاهما »{[40164]} وقال{[40165]} وهب : أنكَحَه الكُبْرى{[40166]} . ولمَّا تعاقدا العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع{[40167]} بها السباع عن غنمه ، واختلفوا في تلك العصا .
فقال عكرمة : عرج بها آدم من الجنة ، فأخذها جبريل بعد موت آدم ، فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلاً ، فدفعها إليه ، قيل : كانت من آس الجنة حملها آدم من الجنة ، فتوارثتها الأنبياء ، وكان لا يأخذها غير نبي ، فصارت من آدم إلى نوح ، ثم إلى إبراهيم حتى وصلت إلى شعيب ، فكانت عصا الأنبياء عنده فأعطاها موسى{[40168]} ، وقال السُّدي : كانت تلك العصا استودعها إياه ملك في صورة رجل فأمر ابنته أن تأتيه بعصا ، فدخلت فأخذت العصا فأتته بها ، فلما رآها شعيب قال لها : رُدِّي هذه العصا ، وأتيه بغيرها ، فدخلت وألقتها ، وأرادت أن تأخذ غيرها ، فلا تقع{[40169]} في يدها إلا هي ، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات ، فأعطاها موسى ، وأخرجها موسى معه{[40170]} ، ثم إن الشيخ ندم وقال : كانت وديعة فذهب في أثره فطلب أن يرد العصا ، فأبى موسى أن يعطيه وقال : { هِيَ عَصَايَ } [ طه : 18 ] ، فرضي أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما ، فلقيهما ملك في صورة رجل ، فحكم أن تطرح العصا فمن حملها فهي له فطرح موسى العصا فعالجها الشيخ ليأخذها ، فلم يطقها ، فأخذها موسى بيده ، فرفعها فتركها له الشيخ{[40171]} ثم إن موسى لما أتم الأجل وسلم شعيب ابنته إليه{[40172]} ، قال مجاهد : لما قضى موسى الأجل مكث بعد ذلك ( عند صهره عشراً ){[40173]} أخرى فأقام{[40174]} عنده عشرين سنة ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.