فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ ذَٰلِكَ بَيۡنِي وَبَيۡنَكَۖ أَيَّمَا ٱلۡأَجَلَيۡنِ قَضَيۡتُ فَلَا عُدۡوَٰنَ عَلَيَّۖ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ} (28)

{ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ( 28 ) فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ( 29 ) }

ثم لما فرغ شعيب من كلامه قرره موسى ، و { قال ذلك بيني وبينك } والإشارة إلى ما تعاقدوا عليه { أيما الأجلين قضيت } شرطية وجوابها :

{ فلا عدوان علي } والمراد بالأجلين الثمانية الأعوام ، والعشرة الأعوام ومعنى قضيت : وفيت به ، أتممته وفرغت منه ، و ( الأجلين ) مخفوض بإضافة ( أي ) إليه و ( ما ) زائدة أو مخفوضة بإضافة أي إليها والأجلين بدل منها ، وقرأ ابن مسعود أي الأجلين ، ما قضيت ، والمعنى لا ظلم عليّ بطلب الزيادة على ما قضيته من الأجلين ، أي كما لا أطالب بالزيادة على الثمانية الأعوام ، لا أطالب بالنقصان عن العشرة : وقيل : المعنى كما لا أطالب بالزيادة على العشرة الأعوام لا أطالب بالزيادة على الثمانية الأعوام ، وهذا أظهر . وأصل العدوان تجاوز الحد في غير ما يجب ، قال المبرد : وقد علم موسى أنه لا عدوان عليه في أتمهما ، ولكنه جمعهما ليجعل الأقل كالأتم في الوفاء ، وقرئ عدوان بضم العين وبكسرها .

{ والله على ما نقول } من هذه الشروط الجارية بيننا { وكيل } أي شاهد وحفيظ فلا سبيل لأحدنا إلى الخروج عن شيء من ذلك ، قيل : هو من قول موسى ، وقيل : من قول شعيب ، والأول أولى لوقوعه في جملة كلام موسى وتم العقد بذلك ولعل هذا كان في شرعهما ، وإلا فهذه الصيغة لا تكفي عندنا في عقد النكاح ، لأن الواقع من شعيب وعد بالإنكاح ، والواقع من موسى ليس فيه مادة التزويج ، ولا الإنكاح ، وأيضا الصداق ليس راجعا للمنكوحة بل لأبيها ، هذا ما جرى عليه المحلي .

وقال غيره : إنهما عقدا عقدا بغير الصورة المذكورة هنا منهما ، قال أبو السعود : ليس ما حكى عنهما في الآية تمام ما جرى بينهما من الكلام في إنشاء عقد النكاح ، وعقد الإجازة وإيقاعهما ، بل هو بيان لما عزما عليه واتفقا على إيقاعه حسبما يتوقف عليه مساق القصة إجمالا من غير تعرض لبيان مواجب العقدين في تلك الشريعة تفصيلا .

وأخرج الطبراني وغيره عن عتبة السلمي قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة " طسم " حتى إذا بلغ قصة موسى قال : " إن موسى آجر نفسه ثماني سنين ، أو عشرا على عفة فرجه ، وطعام بطنه ، فلما وفى الأجل قيل يا رسول الله أي الأجلين قضى موسى ؟ قال : أبرهما وأوفاهما ، فلما أراد فراق شعيب أمر امرأته أن تسأله أباها أن يعطيهما من غنمه ما يعيشون به ، فأعطاهما ما ولدت غنمه الحديث بطوله وفيه مسلمة الدمشقي ضعفه الأئمة .