قوله تعالى : { والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } ، قال عطاء : سنمكر بهم من حيث لا يعلمون ، وقيل : نأتيهم من مأمنهم ، كما قال : { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } [ الحشر : 2 ] ، قال الكلبي : يزين لهم أعمالهم ويهلكهم . وقال الضحاك : كلما جددوا معصيةً جددنا لهم نعمة ، قال سفيان الثوري : نسبغ عليهم النعمة ، وننسيهم الشكر . قال أهل المعاني : الاستدراج أن يتدرج الشيء في خفية قليلاً قليلاً ، فلا يباغت ، ولا يجاهر ، ومنه درج الصبي إذا قارب بين خطاه في المشي ، ومنه درج الكتاب إذا طواه شيئاً بعد شيء .
( والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ، وأملي لهم إن كيدي متين ) . .
وهذه هي القوة التي لا يحسبون حسابها وهم يشنون هذه المعركة الضارية ضد هذا الدين وضد الأمة المستمسكة به الملتقية عليه المتجمعة على آصرته . . هذه هي القوة التي يغفلها المكذبون بآيات الله . . إنهم لا يتصورون أبداً أنه استدراج الله لهم من حيث لا يعلمون . ولا يحسبون أنه إملاء الله لهم إلى حين . . فهم لا يؤمنون بأن كيد الله متين ! . . إنهم يتولى بعضهم بعضاً ويرون قوة أوليائهم ظاهرة في الأرض فينسون القوة الكبرى ! . . إنها سنة الله مع المكذبين . . يرخى لهم العنان ،
يقول تعالى : { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ } ومعناه : أنه يفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا ، حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدوا{[12434]} أنهم على شيء ، كما قال تعالى : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الأنعام : 44 ، 45 ] ؛
والذين كذبوا بالآيات هم المشركون الذين كذبوا بالقرآن ، وقد تقدم وجه تعدية فعل التكذيب بالباء ؛ ليدل على معنى الإنكار عند قوله تعالى : { قل إني على بينةٍ من ربي وكذبتم به } في سورة الأنعام ( 57 ) .
والاستدراج مشتق من الدّرَجة بفتحتين وهي طبقة من البناء مرتفعة من الأرض بقدر ما ترتفع الرِّجْل للارتقاء منها إلى ما فوقها تيسيراً للصعود في مثل العلو أو الصومعة أو البرج ، وهي أيضاً واحدة الأعواد المصفوفة في السلم يرتقى منها إلى التي فوقها ، وتسمى هذه الدرجة مرقاة ، فالسين والتاء في فعل الاستدراج للطلب ، أي طلب منه أن يتدرج ، أي صاعداً أو نازلاً ، والكلام تمثيل لحال القاصد إبدال حال أحد إلى غيرها بدون إشعاره ، بحال من يطلب من غيره أن ينزل من درجة إلى أخرى بحيث ينتهي إلى المكان الذي لا يستطيع الوصول إليه بدون ذلك ، وهو تمثيل بديع يشتمل على تشبيهات كثيرة ، فإنه مبني على تشبيه حُسن الحال برفعة المكان وضده بسفالة المكان ، والقرينة تعيّن المقصود من انتقال إلى حال أحسن أو أسوا .
ومما يشير إلى مراعاة هذا التمثيل في الآية قوله تعالى : { من حيث لا يعلمون } ولما تضمن الاستدراج معنى الإيصال إلى المقصود علق بفعله مجرور بمن الابتدائية أي مبتدئاً استدراجهم من مكان لا يعلمون أنه مفض بهم إلى المبلغ الضار ، ف { حيث } هنا للمكان على أصلها ، أي من مكان لا يعلمون ما يفضي إليه ، وحذف مفعول يعلمون لدلالة الاستدراج عليه ، والتقدير : لا يعلمون تدرجه ، وهذا مؤذن بأنه استدراج عظيم لا يظن بالمفعول به أن يتفطن له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.